روايات يحتجّ بها أحمد إسماعيل على إمامته- عرض ونقد

 




بقلم حسن فلاح

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 أحمد إسماعيل رجل من البصرة، يدّعي أنه الابن الخامس للإمام المهدي -عليه السلام-، وأنه اليماني وأنه سفير الإمام المهدي -عليه السلام- أرسله للناس ليمهّد له، وأنه هو بنفسه حجة وإمام وأوّل المهديين، ويجب على الناس طاعته والاعتقاد به.

 وهو يحاول أن يستدلّ على هذه الدعاوى بمجموعة من الروايات، سنتعرّض لها ونعلّق عليها بإذن الله تعالى.


رواية الوصية

إن أهمّ رواية يحتجّ بها جماعة أحمد إسماعيل في هذا الباب رواية رواها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة، ووجه التركيز على هذه الرواية هو ذكر اسم "أحمد" مدّعيا أنه هو الشخص المقصود فيها.

 روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده " عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – في الليلة التي كانت فيها وفاته – لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما، ومن بعدهم اثنا عشر مهديا، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما، سماك الله - تعالى - في سمائه: عليا المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا بريء منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين (وفي مصادر أول المهديين) ، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين "[1].

ودعوة أحمد إسماعيل تبتني على أنه هو "أحمد"، وأنه أول المهديين؛ وأما الدليل الذي استدلّ به على صدق دعوته فسأنقله من موقعه الرسمي: 

" وفي كتاب الغيبة للطوسي نقل النص الوحيد المروي للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد رسول الله (ص) كتابته كما ثبت في اصح كتب السنة البخاري ومسلم ومن نقل الوصية عن الرسول محمد (ص) هم آل محمد (ع)، فلابد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص – الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به – من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه ويتحقق الغرض منه وإلا لكان جاهلا أو عاجزا أو كاذبا مخادعا ومغريا للمتمسكين بقوله بإتباع الباطل. ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلا أو عاجزا لأنه عالم وقادر مطلق ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب لأنه صادق وحكيم ولا يمكن وصفه بالكذب وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء ولانتقض الدين.ونص خليفة الله في أرضه على من بعده مع وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به – نصا إلهيا – لابد أن يكون محفوظا من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه وإلا فسيكون كذبا وإغراءً للمكلفين بإتباع الباطل وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه.فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأمور إذا كنت تريد شرب الماء فاشرب من هنا وأنا الضامن انك لن تسقى السم أبدا من هذا الموضع. ثم انك سُقيت في ذلك الموضع سماً فماذا يكون الضامن؟ هو أما جاهل وأما كاذب من الأساس أو عجز عن الضمان أو اخلف وعده فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا" [2]

فاستدلال أحمد إسماعيل يتلخص في الآتي:

1- أن النبي – صلى الله عليه وآله - قد كتب كتابا للأمة، ووصفه بأنه عاصم من الضلال، وهذا الكتاب هو الذي رواه الطوسي في كتاب الغيبة.

2- أن وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال يقتضي حفظ النصّ الموجود فيه من ادّعاء المبطلين.

3- أن أحمد إسماعيل ادّعى أنه المقصود في الرواية فيثبت أنه صادق.

وملاحظاتنا على هذا الاستدلال:

الملاحظة الأولى: إثبات إمامة إمام يجب أن يكون عبر دليل قطعي، ولا يكفي فيه رواية واحدة فضلا عن رواية ضعيفة السند ورواتها مجهولون؛ وقد ناقش سندها جمع من العلماء في كتبهم يمكن للقارئ مراجعتها[3].

نعم، حاول القوم تثبيت هذه الرواية بالقول أن النبي -صلى الله عليه وآله- لم يترك كتابة الوصية، لأن الوصية واجبة على من تحضره الوفاة، ولم تصلنا رواية للوصية غير الرواية التي رواها الشيخ الطوسي، فيثبت أنها هي الوصية التي كتبها النبي -صلى الله عليه وآله- لأن حفظ الوصية وإيصالها للأمة واجب من الله تعالى[4]

 والملاحظة على هذا الكلام أنه إن أُريد بالوصية (1) الوصية المتعلّقة بالأموال والمواريث وقضاء الدين ونحو ذلك= فلا شكّ أن النبي -صلى الله عليه وآله- قد أوصى لعلي -عليه السلام- هذه الأمور كما جاء في أخبار الفريقين، ولا مُلزم لحفظ هذه الوصية من قبل الله -تعالى- وإيصالها إلينا؛ وأما إن كان المراد من الوصية (2) هي الوصية الموجّهة للأمة التي تحفظها من الضلال= فهذه الوصية قد بلّغها النبي -صلى الله عليه وآله- في خطبة الوداع عبر حديث الثقلين، وأما الكتاب الذي أراد كتابته ليلة الخميس ومنعه القوم من ذلك= فهو تأكيد لما بلّغه سابقا.

ويترتب على ذلك أنه لا موجب للقول بأن كتابة هذا الكتاب واجب على النبي -صلى الله عليه وآله- بعد أن منعه القوم، أو أن إيصاله للأمة واجب من الله تعالى بعد أن بلّغ النبي -صلى الله عليه وآله- هذا الأمر في خطبة الوداع؛ على أنه من الواضح تاريخيا أنه لم يكن بناء النبي  -صلى الله عليه وآله- ولا الأئمة بعده إعلان أسماء الأئمة للأمة، لأن ذلك مناف لحفظهم من الأعداء والظالمين، وإن وقع شيء من ذلك فإنه يكون في موارد خاصة ولأشخاص معينين.

الملاحظة الثانية: الرواية تخالف عقيدة الشيعة الضرورية من عدم وجوب الاعتقاد بأكثر من اثني عشر إمام، ولذلك أعرض عنها العلماء ولم يعتدّوا بها ولم يلزموا أحدا بالاعتقاد بها.

قال الشيخ الطوسي: " فأما من قال: إن للخلف ولدا وأن الأئمة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دللنا عليه من أن الأئمة عليهم السلام اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه"[5]

قال الشيخ الحر العاملي: "وأما أحاديث الاثني عشر بعد الاثني عشر، فلا يخفى أنها غير موجبة للقطع واليقين لندورها وقلتها، وكثرة معارضتها كما أشرنا إلى بعضه، وقد تواترت الأحاديث بأن الأئمة اثني عشر[6]، وأن دولتهم ممدودة إلى يوم القيامة، وأن الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف، وأن الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة، ونحو ذلك من العبارات، فلو كان يجب الإقرار علينا بإمامة اثني عشر بعدهم، لوصل إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص، لينظر في الجمع بينهما"[7].

وقال العلامة المجلسي بعد أن ذكر أخبار المهديين: "هذه الأخبار مخالفة للمشهور"[8]

وقال السيد عبدالله شبر: "وكيف كان فظاهر هذه النصوص يخالف النصوص المتواترة في كون الأئمة -عليهم السلام- منحصرين في اثني عشر بل يخالف الضرورة من المذهب"[9]

   وإجماع العلماء والأصحاب على أن العدد محصور باثني عشر كاشف عن قول المعصوم لا محالة، لشهرته وذيوعه بين الأصحاب قديما وحديثا، وحُكمهم بالكفر والخروج عن المذهب على من يزيد على هذا العدد، وهذه الشهرة لا يقاومها وجود أخبار تنافي ذلك.

   وأما ما قاله السيد المرتضى في رسائله: "إنا لا نقطع على مصادفة خروج صاحب الزمان محمد بن الحسن عليهما السلام زوال التكليف، بل يجوز أن يبقى العالم بعده زمانا كثيرا، ولا يجوز خلو الزمان بعده من الأئمة؛ ويجوز أن يكون بعده عدة أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، وليس يضرنا ذلك فيما سلكناه من طرق الإمامة، لأن الذي كلفنا إياه وتعبدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر"[10]

   فهي محاولة منه -رحمه الله- للجمع بين عدم جواز خلوّ الزمان من إمام وكون الإمام المهدي -عليه السلام- آخر الأئمة، على أن السؤال الموجّه للسيد المرتضى نفسه يكشف عن رسوخ عقيدة الانحصار باثني عشر عند الشيعة، لعلمهم بوجود مشكلة في زيادة إمام بعد الإمام المهدي -عليه السلام-، فقد جاء في السؤال: "فإن قلنا: بوجود إمام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية، وإن لم نقل بوجود إمام بعده، أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب، وهو قبح خلو الزمان من الإمام"[11].

   وعليه فلا يصحّ التمسّك بقول المرتضى -رحمه الله-  لنفي نسبة هذه العقيدة -أي حصر الأئمة باثني عشر- للطائفة، ولا رفع اليد عن أقوال العلماء الكثيرة والصريحة في ذلك، على أن الأخبار الكثيرة لا تقبل تجويز وجود أئمة بعد الإمام المهدي -عليه السلام- ، فقد روى الصدوق بسنده عن يحيى بن أبي القاسم عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده -عليهم السلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: "الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم فهم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر"[12].

 وهذا الحديث يدلّ على الحصر بالعدد اثني عشر (1) من خلال تعريف المسند إليه في قوله "الأئمة"، وتعريف المسند إليه عبر الجمع المعرّف يفيد العموم، كما لو قيل: "الأئمة معصومون"، فهو يفيد أن تمام الأئمة معصومون ولا يوجد إمام غير معصوم، وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وآله- "الأئمة بعدي اثنا عشر"، فهو يدلّ على أن تمام الأئمة بعده موصوفون بأنهم اثنا عشر ولا يصحّ وصفهم بأنهم أكثر أو أقلّ من ذلك، وهذا بدوره يدلّ على الحصر[13]؛ (2) على أن ذكر العدد اثنا عشر بالخصوص في مقام بيان عدد الأئمة -عليهم السلام- مع كونهم أكثر من ذلك في الواقع= لغوٌ لا معنى له، لعدم وجود داع للاقتصار على هذا العدد والتركيز عليه في الأحاديث رغم أن العدد أكثر من ذلك بكثير، بل لا يخلو من إيهام كما لا يخفى؛ (3) وأيضا كثير من الأخبار -ومنه هذا الخبر- يشتمل على التصريح بأن الإمام المهدي -عليه السلام- هو آخر الأئمة وأنه خاتم الأوصياء؛ فكيف يُترك هذا كلّه ويُتمسّك بأحاديث شاذّة -كما ذكر الحرّ العاملي والمجلسي- وبكلام من هنا وهناك لبعض العلماء لأجل مخالفة ما تسالمت عليه الطائفة وما جاء في الأحاديث المتضافرة؟!

   فلا بدّ من ترجيح قول لا ينافي الحصر باثني عشر من جهة، ولا ينافي القول بخلوّ الأرض من إمام في ظرف التكليف من جهة أخرى، كالقول بأن التكليف سيرتفع بعد موت الإمام المهدي -عليه السلام- والدنيا لا تبقى بعده إلا أربعين يوما ويكون الهرج، كما جاء في بعض الأخبار؛ أو القول بأن الأئمة -عليهم السلام- سيرجعون بعد الإمام المهدي -عليه السلام- ويحكمون زمانا طويلا وبعد ذلك تقوم الساعة.

الملاحظة الثالثة: إذا تجاوزنا هذه الإشكالات في الرواية وأردنا الالتزام بمضمونها، فإنها تقول أن الإمام إذا حضرته الوفاة فإنه يسلّم الوصية لابنه، ومن يمتلك الوصية هو الإمام المفترض الطاعة الذي تجب معرفته وبيعته، وقد ورد في الأخبار ما يستفاد منه هذا المعنى.

   روى الكليني بسنده عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا، لم ينزل على محمد - صلى الله عليه وآله - كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل -عليه السلام-: يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم - عليه السلام - وميراثه لعلي - عليه السلام - و ذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم، قال: ففتح علي -عليه السلام- الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن -عليه السلام- الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها، فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين -عليه السلام- الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك، قال: ففعل -عليه السلام-، فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين -عليهما السلام- قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق  لما حجب العلم، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي -عليهما السلام- ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة، وقم بحق الله -عز وجل- وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله، ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه، قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟
قال: فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي، قال: فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات، قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ، قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: هذا الراقد - وأشار بيده إلى العبد الصالح - وهو راقد "[14]

   فيستفاد من هذه الرواية وكذلك رواية الوصية التي هي محلّ الكلام أن الوصية عند إمام واحد فقط، ولا تكون عند الإمام اللاحق إلا بعد وفاة الإمام السابق؛ وهذا معناه أن البيعة والانقياد لكلّ إمام يبدأ بعد وفاة أبيه، ولا يمكن أن تكون البيعة ووجوب المعرفة وتوطين النفس على الطاعة والنصرة للابن في ظرف حياة أبيه لأنه صامت لا يدعو لنفسه ولا يتصدى للناس؛ نعم، لا مانع أن يكون هناك إمامان في زمن واحد، لكن يكون أحدهما ناطقا والآخر صامتا كما ذكرت الروايات، والتصدّي والدعوة للنفس إنما تكون من الناطق الذي يمتلك وصية رسول الله -صلى الله عليه وآله- دون الإمام الصامت الذي لا يمتلكها.

    فقد روى الصفار " حدثنا محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: كان علي بن أبي طالب -عليه السلام- عالم هذه الأمة، والعلم يتوارث، وليس يمضي منا أحد حتى يرى من ولده من يعلم علمه، ولا تبقى الأرض يوما بغير إمام منا تفزع إليه الأمة، قلت: يكون إمامان؟ قال: لا، إلا وأحدهما صامت لا يتكلم حتى يمضي الأول"[15]

   وروى أيضا " عن علي بن إسماعيل عن أحمد بن النضر عن الحسين بن أبي العلا قال: قلت: لأبي عبد الله -عليه السلام- تترك الأرض بغير إمام؟ قال: لا، فقلنا له: تكون الأرض وفيها إمامان؟ قال: لا، إلا إمام صامت لا يتكلم ويتكلم الذي قبله"[16]

   ولا يعني كون الإمام ناطقا أنه يتكلّم ويصرّح بإمامته في العلن، ويكون متمكّنا من إقامة الدين، فإن أكثر الأئمة -عليهم السلام- كانوا في ظروف تقية تقتضي الكتمان عن أمرهم مع كونهم ناطقين في زمانهم، وإنما معنى كونه ناطقا أنه هو الإمام الذي تجب بيعته وتوطين النفس على طاعته ونصرته على تقدير ارتفاع التقية أو انتهاء فترة استتاره؛ فهو ناطق بلحاظ الإمام الذي بعده لا بلحاظ حاله وظرفه؛ وبناء على ذلك يكون الإمام الناطق بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام- هو الإمام المهدي -عليه السلام-، وعلى تقدير وجود ابن للإمام المهدي -عليه السلام- يتولّى الأمر بعده، فإن هذا الإمام سيكون صامتا لا يدعو لنفسه، ولا تجب معرفته والاعتقاد به كما أن المكلفين في زمن الصادق -عليه السلام- لا يجب عليهم معرفة الإمام الكاظم -عليه السلام- والاعتقاد به وبيعته.

   ومن هنا تكون دعوة أحمد إسماعيل مخالفة لعقيدة التشيّع، ومخالفة للأخبار بما فيه الخبر الذي احتجّ به نفسه، لأن أحمد إسماعيل الآن يدعو لنفسه ويوجب على الناس بيعته ونصرته والاعتقاد بإمامته، رغم أن الوصية لم تنتقل إليه إلى الآن، فيُفترض أن يكون إماما صامتا لا ناطقا.

الملاحظة الرابعة: الرواية قالت: يسلّمها لابنه، ولم تقل لحفيده، وإطلاق الابن في مقام التعيين للحفيد الخامس دون قرينة بعيد جدا، خصوصا أن الرواية أطلقت الابن على الأبناء المباشرين في الرواية قبل هذا الموضع، فمقتضى ظاهر الرواية أن أحمد المشار إليه في الرواية هو الابن المباشر، وليس الحفيد الخامس، وما لم تكن هناك قرينة تصرف هذا الظاهر فلا مجال للاستدلال بها على انطباقها على أحمد إسماعيل الذي يدّعي أنه الحفيد الخامس!

الملاحظة الخامسة: في هذه الملاحظة سنناقش الاستدلال المذكور في بداية المقال، وهو العمدة في إثبات أن أحمد إسماعيل هو المذكور في الراوية.

   فلو سلّمنا أن الكتاب الذي أراد كتابته النبي -صلى الله عليه وآله- ليلة الخميس قد كتبه فعلا ليلة الإثنين قبل وفاته، وأنه هو الكتاب الذي وصلنا عبر رواية الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة، فنقول يجب علينا أولا فهم قول النبي -صلى الله عليه وآله-: "لن تضلوا بعده أبدا".

   فهنا قطعا ليس مراد النبي -صلى الله عليه وآله- أنه بمجرّد كتابة هذا الكتاب فإن الأمة لن تضل كما هو ظاهر الكلام، بل يوجد في كلام النبي -صلى الله عليه وآله- كلام مقدّر ومحذوف ينبغي تحديده، والمعنى يُعرف من حديث الثقلين في قوله: إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي؛ فيكون مراد النبي -صلى الله عليه وآله- هو أنه على تقدير تمسّككم بالكتاب فإنكم لن تضلوا أبدا، وعليه يكون معنى عاصمية الوصية من الضلال هو عدم وقوع من يتمسّك بها وبضمونها من الضلال، أي عبر اتّباع الأئمة المذكورين فيها، وليس المراد من عاصميتها من الضلال منع المبطلين من ادّعاءها، فإن هذا المعنى ليس هو المعنى المتبادر من هذا التعبير، وهو عبارة عن تحميل كلام النبي -صلى الله عليه وآله- ما لا يحتمل.

   ولأجل ذلك لم يفهم أحد من الشيعة على مرّ الزمان أن الوصية لا يدّعيها إلا صاحبها، أو أن إمامة الإمام تثبت عبر ادّعاء الوصية، ولا يوجد لهذه العقيدة عين ولا أثر في الكتب والتراث؛ نعم، ذكر الأئمة -عليهم السلام- أن عندهم وصية رسول الله -صلى الله عليه وآله-، لكن أين هذا من مجرّد ادّعاء الوصية والاكتفاء به كدليل حاسم على إمامة الإمام؟!

  ويؤكد ذلك أنه لم يذهب أحد إلى أن معنى عاصمية حديث الثقلين من الضلال هو أن الله تعالى يمنع المبطلين من ادعّاء انطباق الحديث عليه، لوجود من ادّعى انطباق الحديث على نفسه، كأئمة الزيدية والإسماعيلية، الذين قالوا بأنهم هم أهل البيت الذين يجب على الأمة التمسّك بهم، وهذا لا يمنع اتّصاف حديث النبي -صلى الله عليه وآله- بأنه عاصم من الضلال، لأن العصمة من الضلال تكون باتّباع أهل البيت -عليهم السلام- المُشار إليهم في حديث الثقلين، وأما كيفية تعيينهم فحديث الثقلين نفسه لا يتكفّل بذلك!!

   وكذلك الكلام في الوصية التي رواها الشيخ الطوسي، فإن عاصميتها من الضلال -على التسليم بصحتها- تكون عبر اتّباع الأشخاص المُشار إليهم في الرواية وليس عبر من يدّعي أن اسمه فيها؛ وأما كيفية معرفة الشخص المُشار إليه في الرواية وتمييزه فإن الرواية لا تتكفّل بذلك، بل يكون ذلك عبر نصّ تشخيصي من الإمام السابق للإمام اللاحق بحيث لا يقبل الانطباق على غيره، كما نصّ النبي -صلى الله عليه وآله- على علي -عليه السلام- مع عدم وجود أحد آخر يُحتمل انطباق النصّ عليه، أو يكون عبر الإتيان بالمعجز بعد فقدان النصّ الذي يُعيّنه، كما نقول في الإمام المهدي -عليه السلام.

قال الشيخ المفيد: " واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه والتوقيف"[17]

وقال الشريف المرتضى: " أن الإمام إذا وجبت عصمته بما قدمناه من الأدلة، وكانت العصمة غير مدركة فتستفاد من جهة الحواس، ولم يكن أيضا عليها دليل يوصل إلى العلم بحال من اختص بها فيتوصل إليها بالنظر في الأدلة، فلا بد مع صحة هذه الجملة من وجوب النص على الإمام بعينه، أو إظهار المعجز القائم مقام النص عليه، وأي الأمرين صح بطل الاختيار"[18]


رواية يُعرف بثلاث خصال

فإن قيل: 

إن الأئمة -عليهم السلام- جعلوا علامة معرفة الإمام أن عنده وصية رسول الله -صلى الله عليه وآله- وسلاحه، والوصية هي الرواية التي رواها الطوسي واحتجّ بها أحمد إسماعيل، والسلاح هو العلم وقد احتجّ به على الناس؛ فقد ورد في الخبر  "يُعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذين قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيته"[19]؛ وإذا كان لا يمكننا معرفة الوصية وتشخيصها فلا بدّ أن يكون ادّعاؤها كافيا، وما ذلك إلا لأن الله تعالى قد تكفّل بحفظها من ادّعاء المبطلين.

فنقول:

إن الأئمة -عليهم السلام- واجهوا ظروفا تقتضي عدم الإعلان عن هوية الإمام من بعدهم لكل الناس حفاظا على حياة الإمام، وقد واجه الشيعة هذه المشكلة فكانوا يسألون الأئمة- عليهم السلام- عن العلامات التي يعرفون بها الإمام بعد موت أبيه، فأرشدهم الإمام لبعض العلامات.

فقد روى الكليني بسنده عن عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله -عليه السلام- عن قول العامة: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، فقال: الحق و الله، قلت: فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك؟ قال: لا يسعه إن الإمام إذا هلك وقعت حجة وصيه على من هو معه في البلد وحق النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم، إن الله عز وجل يقول: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " قلت: فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم؟ قال: إن الله عز وجل يقول: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله"، قلت: فبلغ البلد بعضه فوجدك مغلقا عليك بابك، ومرخي عليك سترك، لا تدعوهم إلى نفسك ولا يكون من يدلهم عليك فبما يعرفون ذلك؟ قال: بكتاب الله المنزل قلت: فيقول الله عز وجل كيف؟ قال: أراك قد تكلمت في هذا قبل اليوم، قلت: أجل، قال فذكر ما أنزل الله في علي -عليه السلام- وما قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله- في حسن وحسين -عليهما السلام- وما خص الله به عليا -عليه السلام- وما قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله- من وصيته إليه ونصبه إياه وما يصيبهم وإقرار الحسن والحسين بذلك ووصيته إلى الحسن وتسليم الحسين له بقول الله: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " قلت فإن الناس تكلموا في أبي جعفر -عليه السلام- ويقولون: كيف تخطت من ولد أبيه من له مثل قرابته ومن هو أسن منه وقصرت عمن هو أصغر منه، فقال: يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذين قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله -صلى الله عليه وآله ووصيته- وذلك عندي، لا أنازع فيه، قلت: إن ذلك مستور مخافة السلطان؟ قال: لا يكون في ستر إلا وله حجة ظاهرة، إن أبي استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش، فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر، قال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه " يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" و أوصى محمد بن علي إلى ابنه جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمع وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع، ثم يخلي عنه، فقال: اطووه، ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله، فقلت بعد ما انصرفوا: ما كان في هذا يا أبت أن تشهد عليه؟ فقال: إني كرهت أن تغلب وأن يقال: إنه لم يوص، فأردت أن تكون لك حجة فهو الذي إذا قدم الرجل البلد قال: من وصي فلان، قيل فلان، قلت: فإن أشرك في الوصية؟ قال: تسألونه فإنه سيبين لكم.

وهاهنا عدة تعليقات:

1- أن الإمام -عليه السلام- أعطى السائل علامات لمعرفة الإمام بعد العجز عن تعيينه بسبب خوفه واستتاره وعدم إعلان النصّ عليه من أبيه، وهذه العلامات ليست قانونا عامّا يُعرف به الإمام في كل زمان، بل هي علامات يُستعان بها حال عدم معرفة النصّ الذي هو الأصل، وقد تصلح العلامة على إمام دون إمام كما سيأتي.

2- العلامة الأولى التي أعطاها الإمام -عليه السلام- هو كونه وصيّ أبيه في الدفن وشؤونه بقرينة ذكر التفاصيل الواردة في وصية الإمام الباقر -عليه السلام- المتعلّقة في التكفين وتربيع القبر ونحوه، فكانت هذه علامة عند الشيعة أن من يوصي إليه الإمام في هذه الشؤون فهو الإمام بعده.

3- العلامة الثانية هو امتلاكه سلاح رسول الله -صلى الله عليه وآله-.

   وقد ذكر الأئمة -عليهم السلام- أن السلاح علامة على إمامتهم؛ فقد روى الكليني بسنده عن سعيد السمان قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة.[20] 

 وهذا السلاح مادّي حقيقي وليس هو العلم كما يدّعي أحمد إسماعيل، ويشهد لذلك عطف السلاح على العلم، والعطف يقتضي المغايرة، فقد جاء في الخبر الذي رواه الكليني بسنده عن حمران، عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: سألته عما يتحدث الناس أنه دفعت إلى أم سلمة صحيفة مختومة فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- لما قبض ورث علي -عليه السلام- علمه وسلاحه ما هنا ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين -عليهما السلام- فلما خشينا أن نغشى استودعها أم سلمة ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين -عليه السلام-، قال: فقلت: نعم، ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك وصار بعد ذلك إليك، قال: نعم.[21]

 وقد ذُكرت مواصفات هذا السلاح في الأخبار؛ فقد روى الكليني بسنده عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن الرضا -عليه السلام- عن ذي الفقار سيف رسول الله -صلى الله عليه وآله-، فقال: نزل به جبرئيل -عليه السلام- من السماء وكانت حلقته فضة.[22]

3- العلامة الثالثة هي الوصية، وهي -كما ذُكر في الرواية التي مرّت- كتاب نزل من السماء على النبي -صلى الله عليه وآله- عليها خواتيم بعدد الأئمة -عليهم السلام- وليست رواية موجودة في كتب الحديث!

وأما أحمد إسماعيل فإنه لم يدّع امتلاك هذه الوصية، بل ادّعى أن اسمه موجود في رواية موجودة في كتاب الطوسي، وأين هذا من ذاك؟!

4- أن معرفة أن فلانا عنده الوصية والسلاح وغيره لا يكفي فيه مجرّد الادّعاء، بل يجب أن تكون هناك قرائن تفيد العلم بذلك؛ ولذلك الإمام -عليه السلام- جعل معرفة ذلك عبر قرائن لا تقبل الشك.

ففي الرواية بعد أن ذكر الإمام -عليه السلام- أن الإمام يُعرف بالسلاح والوصية نجد أن الراوي قال له-: "إن ذلك مستور مخافة السلطان"، فأجابه الإمام -عليه السلام-: "لا يكون في ستر إلا وله حجة ظاهرة"، وذكر له الإمام -عليه السلام- أن أباه -عليه السلام- قد أشهد أربعة من قريش أنه أوصى هذه الأمور للإمام الصادق -عليه السلام- ليكون ذلك واضحا ومعلوما عند الناس.

فإذا كان ادّعاء الوصية كافيا لمعرفة الإمام فلماذا يُشهد الإمام أربعة من قريش على ذلك؟! ولماذا قال الإمام -عليه السلام- للسائل: "لا يكون في ستر إلا وله حجة ظاهرة" بدل أن يقول له إن ادّعاء هذه الأشياء من الكاذب ممتنع؟!

وكذلك روى الكليني بسنده عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: المتوثب على هذا الأمر، المدعي له، ما الحجة عليه؟ قال: يسأل عن الحلال والحرام، قال: ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ويكون عنده السلاح ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان.[23]

فنلاحظ أن الإمام أرجع السائل إلى علامة ظاهرة ومشهورة بحيث تفيد العلم بتحققها، وهو اشتهار كونه وصيّ أبيه في شؤون الدفن وقضاء الديون ونحو ذلك عند الناس، ولم يجعل مجرّد الادعاء كافيا في المقام، بل لا نجد أحدا من الأئمة -عليهم السلام- قد احتجّ على إمامته بالقاعدة التي جاء بها أحمد إسماعيل، وهي أن هذه الأشياء يمتنع ادّعاؤها من الكاذب.

5- أن هذه العلامات لا يمتنع أن يدّعيها غير صاحبها.

 فقد روى الصفار بسنده عن سليمان بن هارون قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: إن العجلية -وهم الزيدية- يزعمون أن عبد الله بن الحسن يدعى أن سيف رسول الله -صلى الله عليه وآله- عنده قال والله لقد كذب فوالله ما هو عنده وما رآه بواحدة من عينيه قط ولا رآه عند أبوه إلا أن يكون رآه عنده علي بن الحسين، وإن صاحبه لمحفوظ ومحفوظ له، ولا يذهبن يمينا ولا شمالا، فإن الأمر واضح، والله لو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضحه الله ما استطاعوا، ولو أن خلق الله كلهم جميعا كفروا حتى لا يبقى أحد جاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله.[24]

   والمعروف بين الناس في ذاك الزمان أن من ورث سلاح رسول الله -صلى الله عليه وآله- هم أئمتنا -عليهم السلام- دون غيرهم.

 فقد روى الصفار بسنده عن جابر عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين -عليه السلام- حين قتل عمر ناشدهم قال: نشدتكم الله هل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله ورايته و خاتمه غيري؟ قالوا: لا.[25]

   وقد روى المجلسي نقلا عن  روضة الواعظين - في خبر طويل - عن سعيد بن جبير قال أبو خالد الكابلي: أتيت علي بن الحسين -عليهما السلام- على أن أسأله هل عندك سلاح رسول الله؟ فلما بصر بي قال: يا أبا خالد أتريد أن أريك سلاح رسول الله -صلى الله عليه وآله-؟ قلت: والله يا ابن رسول الله ما أتيت إلا لأسألك عن ذلك، ولقد أخبرتني بما في نفسي قال: نعم، فدعا بحق كبير وسفط، فأخرج لي خاتم رسول الله -صلى الله عليه وآله- ثم أخرج لي درعه، وقال: هذا درع رسول الله -صلى الله عليه وآله- وأخرج إلي سيفه، وقال: هذا والله ذو الفقار، وأخرج عمامته وقال: هذه السحاب، وأخرج رايته، وقال: هذه العقاب، وأخرج قضيبه، وقال: هذا السكب، وأخرج نعليه، وقال: هذان نعلا رسول الله -صلى الله عليه وآله-، وأخرج رداءه وقال: هذا كان يرتدي به رسول الله -صلى الله عليه وآله- ويخطب أصحابه فيه يوم الجمعة، وأخرج لي شيئا كثيرا، قلت: حسبي جعلني الله فداك.[26]

 لذلك فالقرائن على صحة هذه الدعوى كانت متوفّرة عند الناس في ذاك الزمان، ولم يكن أحد يمكنه إنكار أن السلاح قد ورثه أبناء الإمام الحسين -عليه السلام-، وعلى ذلك شواهد في كتب المخالفين يمكن للباحث الوقوف عليها.

6- أن بعض الروايات ذكرت علامات تشتمل على أمور خارقة للعادة يُعرف بها صدق المدّعي، لكن أحمد إسماعيل يتركها ولا يحتجّ بها.

  فقد روى الكليني بسنده عن أبي بصير قال: قلت: لأبي الحسن -عليه السلام- : جعلت فداك بم يعرف الامام؟ قال: فقال: بخصال: أما أولها فإنه بشئ قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ويسأل فيجيب وإن سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان، ثم قال لي: يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن عليه السلام بالفارسية فقال له الخراساني: والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها، فقال: سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ثم قال لي: يا أبا محمد إن الامام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شئ فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام.

7- أن هذه العلامات قد تنفع مع إمام دون إمام، فعلامة الوصية في الدفن وشؤونه -مثلا- لم يكن ينفع تطبيقها على الإمام الكاظم -عليه السلام- لأن الإمام الصادق -عليه السلام- قد أوصى لأكثر من شخص بعده حفاظا على حياة الإمام الكاظم -عليه السلام-.

فقد روى الكليني بسنده عن أبي أيوب النحوي قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب، قال: فلما سلمت عليه رمى بالكتاب إلي وهو يبكي، فقال لي: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات، فإنا لله وإنا إليه راجعون - ثلاثا - وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب قال: فكتبت صدر الكتاب، ثم قال: اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه، قال: فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى إلى خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة.[27]

 وكذلك الكلام في الإمام المهدي -عليه السلام-، فمع تقادم الأزمان لا يمكننا تعيين الإمام -عليه السلام- بهذه العلامات ككونه وصيّ أبيه في الأمور المادّية، لأن وفاة العسكري -عليه السلام- قد مضى عليها قرون، فلا بدّ من علامات أخرى؛ والكلام نفسه بالنسبة للوصية والسلاح، فلا بدّ من وجود بيّنة تثبت صحة هذه الدعاوى إن ادّعاها مدّع، لغياب القرائن التي تكشف لنا عن صحتها، وقد جاءت الأخبار في كيفية معرفة الإمام المهدي -عليه السلام-:

فقد روى النعماني عن المفضل بن عمر، قال: "سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: يرجع في أحدهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟، قال: إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله[28]

وقد علّق العلامة المجلسي على هذا الحديث: "إذا خرج أحد بعد غيبته -عليه‌ السلام- وادعى أنه المهدي كيف نعرف أنه صادق أو كاذب؟ « يجيب فيها مثله » أي مثل القائم -عليه‌ السلام- عن مسائل لا يعلمه إلا الإمام كالأخبار بالمغيبات لعامة الخلق، والسؤال عن غوامض المسائل والعلوم المختصة بهم عليهم‌ السلام فإن أجاب بالحق فيها وموافقا لما وصل إليكم من آبائهم عليهم ‌السلام فاعلموا أنه الإمام، وهذا مختص بالعلماء."[29]

 وروى النعماني بسنده عن ابن أبي يعفور، قال: قال لي أبو عبد الله -عليه السلام- : " أمسك بيدك هلاك الفلاني - اسم رجل من بني العباس -، وخروج السفياني، وقتل النفس، وجيش الخسف والصوت، قلت: وما الصوت، هو المنادي؟ فقال: نعم، وبه يعرف صاحب هذا الأمر"[30]
وقوله: "وبه يُعرف صاحب الأمر" يبيّن أن الصيحة أحد أهم العلامات لمعرفة الإمام الحجة -عليه السلام-.

وروى الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني، فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عز وجل[31].

وقد روى الحر العاملي نقلا عن كتاب إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بسنده عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد :ما من معجزة من معجزات الأنبياء و الأوصياء إلا و يظهر اللّه تبارك و تعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء[32]

وغيرها من الأخبار الكثيرة التي تجعل خروج القائم -عليه السلام- مرتبطا بعلامات وآيات تكشف عن صدق دعوته.

   وقد ذكر العلماء هذا المعنى؛ فقال الشيخ المفيد: " فإن قيل: ما الطريق إلى معرفته حين ظهوره بعد استتاره -عليه السلام-؟
فالجواب: الطريق إلى ذلك ظهور المعجز على يده"[33]

وقال السيد المرتضى: " يقال: قد علمنا أن العلم بإمام الزمان على سبيل التعيين والتمييز لا يتم إلا بالمعجز، فإن النص - في إمامة هذا الإمام خاصة - غير كاف في تعينه، ولا بد من المعجز الظاهر على يده حتى نصدقه في أنه ابن الحسن -عليهما السلام-."[34]

   بل أكثر من ذلك، فالسفراء الأربعة الذين كانوا نوّابا للحجة -عليه السلام- قد أجرى الله على أيديهم المعاجز والبيّنات ليُعرف صدقهم كما جاء في الأخبار، وقد قال الشيخ الطبرسي عند حديثه عن السفراء: " ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر -عليه السلام-، تدل على صدق مقالتهم، وصحة بابيتهم."[35]


رواية ما أشكل فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه

فإن قيل: 

جاء في الرواية عن الإمام الباقر -عليه السلام- عند حديثه عن خروج الإمام المهدي -عليه السلام:"ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله -صلى الله عليه وآله- ورايته وسلاحه"[36]؛ وهذا يعني أن الإمام المهدي -عليه السلام- يُعرف بهذه العلامات.

فنقول:

أولا: الرواية تدلّ أن الإمام المهدي -عليه السلام- سيُظهر هذه الأشياء للناس بعد خروجه في مكة وبيعته بين الركن والمقام، لا أنه فقط سيدّعيها وعلى الناس تصديقه؛ حيث ورد في هذا الخبر: "ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه"[37]

 ثانيا: الرواية لم تبيّن لماذا لن يُشكل علينا إظهار هذه الأشياء، فقد تكون مقترنة بعلامات يُعرف أنها منسوبة للنبي -صلى الله عليه وآله- كما جاء في الأخبار أن الراية التي يأتي بها القائم -عليه السلام- "عمودها من عمد عرش الله ورحمته، وسائرها من نصر الله لا يهوي بها إلى شئ إلا أهلكه الله."[38]، وجاء أيضا: " يأتي بها جبرئيل (عليه السلام)، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطي قوة أربعين رجلا"[39] 

ثالثا: الرواية لم تكتف بعلامة العهد والراية والسلاح، بل ذكرت علامات أخرى تؤكّد هذه العلامة وتجعلها جلية واضحة لا تقبل الشك؛ فقد جاء فيها: "فينادى المنادى بمكة باسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلهم اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه والنفس الزكية من ولد الحسين، فان أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره"[40]

 فلعمري أين هذه الرواية من دعاوى أحمد إسماعيل الخالية من هذه الأمور جميعا.


رواية احتجاج الإمام الرضا -عليه السلام- على الجاثليق بالاسم "محمد" 

فإن قيل: 

إن الإمام الرضا -عليه السلام- احتجّ على الجاثليق في مناظرته مع النصارى على الاسم محمد وانطباقه على نبيّنا -صلى الله عليه وآله-؛ حيث قال الجاثليق للإمام -عليه السلام-: ولقد بشر به موسى وعيسى جميعا ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا، فأما اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره، فردّ عليه الإمام الرضا -عليه السلام-: "احتججتم بالشك فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟ أو تجدونه في شيء من الكتب الذي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد؟"[41]؛ وهذا يدلّ أن الاحتجاج بالاسم كاف لإقامة الحجة، وإلا لم تكن حجة الإمام الرضا -عليه السلام- على الجاثليق تامّة.

فنقول: 

أولا: هذا الاحتجاج يختلف عن احتجاج أحمد إسماعيل، فإن حجة أحمد إسماعيل تعتمد على امتناع ادّعاء المبطلين الوصية الموصوفة بأنها عاصمة من الضلال، وأما احتجاج الإمام الرضا -عليه السلام- فليس فيه احتجاج على الجاثليق بأن اسم النبي -صلى الله عليه وآله- قد جاء في وصية لعيسى -عليه السلام- موصوفة بأنها عاصمة من الضلال، وإنما جاء اسمه عبر بشارة من عيسى -عليه السلام-، لذلك سُمّيت بالبشارة ولم تسمّ بالوصية، وادّعاء اسم موجود في كلام الأنبياء غير موصوف بأنه عاصم من الضلال= ليس ممتنعا من الكاذبين عندنا وعند أحمد إسماعيل.

بل جاء ما يدلّ على وقوع ذلك في الأخبار؛ فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: إن يوسف بن يعقوب -صلوات الله عليهما- حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلا فقال: إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب، وإنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران -عليه السلام-، غلام طوال جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران ويسمي عمران ابنه موسى.
فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسين عن أبي بصير، عن أبي جعفر -عليه السلام- أنه قال: ما خرج موسى حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنه موسى بن عمران."[42]

ثانيا: إن احتجاج الإمام الرضا -عليه السلام- في هذه الرواية ليس مقتصرا على الاسم فحسب، بل فيه احتجاج بصفات أخرى يمتنع بحسب العادة انطبقاها على أكثر من شخص؛ فقد جاء في الرواية: "قال الرضا -عليه السلام-: فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد وبشارة عيسى بمحمد، قال الجاثليق: هات! فأقبل الرضا -عليه السلام- يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتى بلغ ذكر محمد فقال: يا جاثليق من هذا الموصوف؟ قال الجاثليق: صفه، قال: لا أصفه إلا بما وصفه الله، هو صاحب الناقة والعصا والكساء النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم، سألتك يا جاثليق: بحق عيسى روح الله وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي؟ فأطرق الجاثليق مليا وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر فقال: نعم هذه الصفة من الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم فقال الرضا -عليه السلام-: أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل وأقررت بما فيه من صفة محمد، فخذ علي في السفر الثاني فاني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين."[43]

فنلاحظ أن الإمام -عليه السلام- احتجّ بذكر الإنجيل صفة النبي -صلى الله عليه وآله- بأنه صاحب الناقة والعصا والكساء وبذكر وصيّه وابنته والحسن والحسين -عليهم السلام-، وانطباق هذا الصفات على النبي -صلى الله عليه وآله- مع انطباق الاسم عليه وعدم معهودية هذا الاسم عند العرب وانتشاره= يشتمل على إعجاز يكشف عن صدق دعوة النبي -صلى الله عليه وآله-، وأين هذا من مجرّد الاحتجاج باسم يشترك فيه ملايين من الناس! 

ثالثا: لم يكتف القرآن الكريم عند احتجاجه على النصارى بهذه البشارة بالاسم فقط، بل ذكر أن النبي -صلى الله عليه وآله- قد جاء بالبيّنات؛ فقد قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ"[44]

والبيّنات هي الآيات والمعاجز بقرينة وصف النصارى لها بالسحر، والذي يوصف بالسحر عادة هو المعاجز والآيات؛ وأيضا جاء على لسان السحرة وصف ما جاء به موسى -عليه السلام- من قلب العصا حية بأنه بيّنات؛ فقد قال تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)"[45]


خلاصة الكلام

 إن احتجاج أحمد إسماعيل برواية الشيخ الطوسي لا يكفي لإثبات إمامته، لعدم صحة طريق إثبات إمامة الإمام عبر الاحتجاج برواية ذُكر فيها اسم يشترك مع اسم المدّع، أو عبر ادّعاء أنه صاحب الوصية والسلاح، وإنما تثبت إمامة الإمام عبر (1) النص التشخيصي الذي لا يقبل الانطباق على غيره، ولا يوجد عندنا نصّ يعيّن أحمد إسماعيل دون غيره من الناس؛ أو عبر (2) علامات بيّنها الأئمة بحيث يُقطع انطباقها على المدّع عند عدم الظفر بالنص، كوراثة الوصية والسلاح والراية من الإمام السابق، ولم يثبت أن أحمد إسماعيل قد ورث هذه الأشياء، ولم يأت بدليل أنه يمتلكها؛ أو عبر (3) الإتيان بالمعجز عند عدم صلاحية النصّ لتعيين شخصه وعدم إمكان تطبيق العلامات عليه، كالإخبار بالمغيّبات والتكلّم بكل لسان وغيرها من معاجز ذكرها الأئمة -عليهم السلام- لمعرفة الإمام، ولم يثبت أن أحمد إسماعيل قد جاء بشيء من ذلك.

والحمدلله ...



[1]  الغيبة ص150

[2] الموقع الرسمي لأحمد إسماعيل مقال بعنوان "الوصية"

[3] راجع كتاب (نظرات في رواية الوصية) للشيخ كاظم القره وكتاب (الشهب الأحمدية) للشيخ أحمد سلمان

[4] لم أجد هذا الاستدلال عندهم بهذه الصياغة لكن يُستفاد من مجموع كلماتهم

[5] الغيبة - الشيخ الطوسي - ج ١ - الصفحة ٢٥٢

[6] كذا

[7] الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة - الحر العاملي - ج ١ - الصفحة ٣٦٢

[8] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٣ - الصفحة ١٤٨

[9] مصابيح الأنوار 1\382

[10] رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٤٦

[11] رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٤٦

[12] من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج ٤ - الصفحة ١٨٠

 اختلف الأصوليون في أن للعموم صيغة تخصّه أم لا؟ وقد ذهب الجمهور -منهم المفيد والطوسي- إلى أن للعموم صيغة تخصّه، وذهب بعضهم إلى أنه ليس للعموم صيغة تخصّه -منهم السيد المرتضى- فيكون استعمال اللفظ في العموم مجازا؛ فعلى المذهب الأول يثبت العموم في المقام ويبقى حجة ما لم يأت المخصّص بطريق قطعي، وقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد ج2 ص387 أن روايات قيام ولده بعد دولة القائم لم ترد على القطع والثبات؛ وأما على المذهب الثاني فدلالة العموم تتبع قصد المتكلّم، وذلك يثبت عبر القرائن الأخرى التي ذكرناها، فالعموم ثابت على المذهبين.[13]  

[14] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٨٠

[15] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - الصفحة ٥٣١

[16] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - الصفحة ٥٠٦

[17] أوائل المقالات - الشيخ المفيد - الصفحة ٤٠

[18] الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٥

[19] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٣٧٩

[20] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٣٨

[21] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٣٥

[22] الكافي - الشيخ الكليني - ج ٨ - الصفحة ٢٦٧

[23] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٨٤

[24] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - الصفحة ١٩٤

[25] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - الصفحة ٢٠٢

[26] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - الصفحة ٣٥

[27] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٣١٠

[28] كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ج ١ - الصفحة ١٧٦

[29] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج4 ص54

[30] كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ج ١ - الصفحة ٢٦٤

[31] الكافي - الشيخ الكليني - ج ٨ - الصفحة ٣١٠

[32] إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات ج5 ص328

[33] النكت الاعتقادية - الشيخ المفيد - الصفحة ٤٥

[34] المقنع في الغيبة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ٦٦

[35] الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٧

[37] تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج ١ - الصفحة ٦٥

[38] كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ج ١ - الصفحة ٣١٩

[39] كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ج ١ - الصفحة ٣٢٣

[40] تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج ١ - الصفحة ٦٥

[41] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٩ - الصفحة ٧٦

[42] كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق - ج ١ - الصفحة ١٧٥

[43] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٩ - الصفحة ٧٦

[44] الصف 6

[45] طه 70-72


Comments

Popular posts from this blog

ما معنى أن الله خلق الأشياء بالمشيئة؟

شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات

ما هو التفويض الباطل؟