شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات
بقلم عمران دشتي
الجواب عن هذه الشبهة يقع في جهتين:
الجهة الأولى: فضل زرارة بن أعين.
الجهة الثانية: معالجة روايات لعن الإمام لزرارة.
والجهة الأولى في فضل زرارة تقع في ثلاثة مقامات:
المقام الأول: فضل زرارة في كلمات المعصوم عليه السلام.
المقام الثاني: فضل زرارة في كلمات من عاصره من الأصحاب رضوان الله عليهم.
المقام الثالث: فضل زرارة في كلمات الرجاليين.
المقام الأول: فضل زرارة في كلمات المعصوم.
روايات المدح في حق زرارة كثيرة جداً، والمقام لا يناسب البسط، لذا سنقتصر على ذكر طائفتين من الروايات:
الطائفة الأولى: أنه من أحب الناس إلى الإمام الصادق -عليه السلام- حياً وميتاً.
أ- روى الصدوق في كمال الدين بسند صحيح "حدثنا أبي ومحمد بن الحسن -رضي الله عنهما-، قالا: حدثنا أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار جميعا، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد،عن ابن أبي عمير، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله -عليه السلام- أنه قال: أربعة أحب الناس إلي أحياء وأمواتا: بريد العجلي وزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم والأحول،أحب الناس إلي أحياء وأمواتا".
يستفاد من الخبر: أن هؤلاء الرواة الأربعة -وزرارة منهم- على حق حتى مماتهم؛ فليس حب الإمام المعصوم حب عاطفة لا يرجع إلى الدين، إنما هو حبّ دين، فلا يُتصوّر استمرار إلا لمن يعلمه صالحا، وحيث كان حبّه لهؤلاء -بصريح الرواية- مستمراً إلى آخر أعمارهم، بل حتى إلى ما بعد مماتهم انكشف ثبات عقيدتهم وتقواهم وأنهم على خير دنيا وآخرة، فطوبى لهم وحُسن مآب.
ب- روى الكشي بسند صحيح "حمدويه، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي محمد القاسم بن عروة، عن أبي العباس البقباق،قال: قال أبو عبد الله: زرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، والأحول، أحب الناس إلي أحياء وأمواتا، ولكن الناس يكثرون علي فيهم فلا أجد بُداً من متابعتهم. قال: فلما كان من قابل، قال: أنت الذي تروي علي ما تروي في زرارة وبريد ومحمد بن مسلم والأحول؟ قال، قلت: نعم، فكذبت عليك؟ قال: إنما ذلك إذا كانوا صالحين، قلت: هم صالحون.
يستفاد من الخبر -علاوة على المدح المذكور فيه- شرح وتفسير ما سيأتي من ذم في حقّهم في بعض الروايات.
٢- أنه من حفظة الدين وأمناء الله على حلاله وحرامه.
أ- روى الكشي بسند صحيح "حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، قال سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست.
ب- روى الكشي بسند صحيح "حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثني يعقوب بن يزيد، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد وغيره، قالوا: قال أبو عبد الله -عليه السلام-: رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي -عليه السلام-".
ج- روى الكشي بسند صحيح "حدثني حمدويه: قال: حدثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي -عليه السلام- إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ماكان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي -عليه السلام-على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة".
المقام الثاني: فضل زرارة في كلمات من عاصره من الأصحاب.
أ- روى الكشي بسند فيه ضعف "حدثني إبراهيم بن محمد بن العباس الختلي، قال: حدثني أحمد بن إدريس القمي، قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن أبي الصهبان أو غيره، عن سليمان بن داود المنقري، عن ابن أبي عمير قال: قلت لجميل بن دراج: ما أحسن محضرك وأزين مجلسك! فقال: أي والله ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكُتّاب حول المعلم".
ب- روى الكشي بسند صحيح "حدثني حمدويه، قال: حدثني يعقوب بن يزيد، قال: حدثني علي بن حديد، عن جميل بن دراج، قال: ما رأيت رجلا مثل زرارة بن أعين، إنا كنا نختلف إليه، فما كنا حوله إلا بمنزلة الصبيان في الكُتّاب حول المعلم، ...".
ملاحظة: الخبران متحدان، فالخبر ثابت عن جميل، ويكفيك في المقام أن تعرف فضل جميل بن دراج حتى تتضح قيمة هذا النص.
ج- روى الكليني بسند صحيح "علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير؛ ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا عن عمر بن أذينة،قال: قلت لزرارة: إن أناسا حدثوني عنه -يعني أبا عبد الله -عليه السلام-- وعن أبيه -عليه السلام- بأشياء في الفرائض، فأعرضها عليك، فما كان منها باطلا فقل: هذا باطل، وما كان منها حقا فقل: هذا حق، ولا تروه، واسكت".
يستفاد من الخبر: أن زرارة كالميزان في تقييم الروايات الصادرة عن المعصوم -عليه السلام-، فعمر بن أذينة الذي هو من وجوه أصحابنا يعرض ما أخذه عن الأصحاب على زرارة، فالرواية، وهذا يعني أن زرارة عالم باشتباه الرواة في النقل عن المعصوم أو عن الراوي، ويعلم كون الرواية صادرة في ظرف التقية وما شاكل،فعَرْض ما يرويه ابن أذينة عن الأصحاب على زرارة دال على علوّ كعبه وعظيم شأنه وكونه فقيهاً في روايات المعصومين -عليهم السلام-.
المقام الثالث: فضل زرارة في كلمات الرجاليين.
أ- قال النجاشي" زرارة بن أعين بن سنسن مولى لبني عبد الله بن عمرو السمين بن أسعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان أبو الحسن، شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئا فقيها متكلما شاعرا أديبا، قد اجتمعت فيه خِلال الفضل والدين، صادقا فيما يرويه ...".
ب- قال الشيخ الطوسي في أصحاب الكاظم -عليه السلام- "زرارة بن أعين الشيباني، ثقة، روى عن أبي جعفر -عليه السلام-، وأبي عبد الله -عليه السلام-".
ج- قال الكشي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر -عليه السلام- وأبي عبد الله -عليه السلام-: اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر -عليه السلام- وأصحاب أبي عبد الله -عليه السلام- وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة،زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه الستة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري".
بهذا تم الكلام في الجهة الأولى حول فضل زرارة، وقد عرفت بأنه جليل القدر عظيم المنزلة ومرضيّ عند أهل الصراط القويم.
الجهة الثانية في معالجة روايات لعن الإمام -عليه السلام-لزرارة.
ورد لعن في حق زرارة بن أعين في عدة أخبار، أهمها:
الخبر الأول: روى الكشي "حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن عمار بن المبارك، قال: حدثني الحسن بن كليب الاسدي، عن أبيه كليب الصيداوي، أنهم كانوا جلوساومعهم عذافر الصيرفي وعدة من أصحابهم معهم أبو عبد الله -عليه السلام-، قال: فابتدأ أبو عبد الله -عليه السلام- من غير ذكر لزرارة،فقال: لعن الله زرارة! لعن الله زرارة! لعن الله زرارة! ثلاث مرات".
قلت: الخبر ضعيف لجهالة عمار بن المبارك والحسن بن كليب الأسدي.
الخبر الثاني: روى الكشي عن محمد بن مسعود العياشي، عن جبريل بن أحمد، عن العبيدي "عن يونس، عن إبراهيم المؤمن، عن عمران الزعفراني، قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول لأبي بصير: يا أبا بصير وكنى اثني عشر رجلا، ما أحدث أحد في الاسلام ما أحدث زرارة من البدع، لعنه الله، هذا قول أبي عبدالله".
قلت: الخبر ضعيف لجهالة الزعفراني وإبراهيم المؤمن وجبريل بن أحمد.
الخبر الثالث: روى الكشي "حدثني حمدويه، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن يونس، عن مسمع كردين أبي سيار، قال: سمعت أبا عبدالله -عليه السلام- يقول: لعن الله بريدا، ولعن الله زرارة.
ورواه الكشي بسند آخر "محمد بن مسعود، عن جبريل بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مسمع كردين.
قلت: ثمَّ طريقان من الكشي إلى محمد بن عيسى في هذا الخبر.
الطريق الأول: ظاهره أنه صحيح، ولكن توجد ملاحظة يمكن بيانها في التالي:
أولاً: لا توجد رواية ليونس عن مسمع كردين أصلاً في شيء من الكتب، إلا هذه الرواية ورواية أخرى في رجال الكشي أيضاً.
ثانياً: الرجل المعروف الذي يروي عن مسمع كردين هو عبد الله بن عبد الرحمن الأصم البصري، وهو مضعّف جداً.
ثالثا: محمد بن عيسى الذي يروي عن يونس في هذا السند، هو راوي لكتاب عبد الله بن عبد الرحمن الأصم البصري.
رابعا: محمد بن عيسى يروي عن يونس بن عبد الرحمن كثيرا.
خامسا: اسم يونس بن عبد الرحمن له نوع شبه مع اسم عبد الله بن عبد الرحمن.
سادسا: يونس لم يروِ عن الإمام الصادق -عليه السلام-، وإنما روى عن بعض أصحاب الصادق الذين عاشوا بعد الإمام -عليه السلام-كالهشامين، ولا نعلم له شيئاً من الرواية عن الذين ماتوا في عصر الإمام الصادق -عليه السلام-، والملفت في المقام أن مسمع من الكبار حيث روى عن الباقر والصادق -عليهما السلام-، فرواية يونس عن مسمع كردين محل ريب واستبعاد، ولم نجد يونس يروي عنه حتى مع الواسطة.
الحاصل من الملاحظات المتقدمة أن احتمال التحريف في هذا الإسناد قوي جداً، فبعد ملاحظة:
أ- المشابهة بين اسمَي يونس بن عبد الرحمن وعبد الله بن عبد الرحمن.
ب- راوي كتاب عبد الله بن عبد الرحمن الأصم البصري هو محمد بن عيسى.
ج- كثرة رواية محمد بن عيسى عن يونس الأمر الذي يجعل ذهن الناسخ والراوي يخطئ بلا شعور اعتمادا على أنسه.
د- معهودية رواية عبد الله بن عبد الرحمن الأصم البصري عن مسمع كردين.
= يتوفر المبرر لوقوع التحريف، وإذا انضم إلى ذلك استبعاد رواية يونس عن مسمع في نفسها إلى ذلك = ترجح الحكم بتحريف الإسناد.
تنبيه: هذا هو الخبر الوحيد من أخبار لعن زرارة الذي يمكن القولبصحته إن أخذنا بظاهر الإسناد وتجاوزنا ما فيه من الإشكال.
الطريق الثاني للخبر: ضعيف بجهالة جبريل بن أحمد الفاريابي.
الخبر الرابع: روى الكشي "عن محمد بن قولويه، عن محمد بن أبي القاسم أبي عبد الله المعروف بماجيلويه، عن زياد بن أبي الحلال، قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: إنّ زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا، فقبلنا منه وصدّقناه، وقد أحببت أن أعرضه عليك، فقال: هاته، فقلت: زعم أنّه سألك عن قول الله -عزّ وجلّ-: "ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا"، فقال: كلّ من ملك زادا وراحلة فهو مستطيع للحجّ وإن لم يحجّ، فقلت: نعم؛ فقال: ليس هكذا سألني، ولا هكذا قلت، كذب عليّ والله! كذب عليّ والله! لعنالله زرارة! لعن الله زرارة! لعن الله زرارة! قال لي: من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحجّ؟ قلت: وقد وجب عليه، قال: فمستطيع هو؟ قلت: لا حتّى يؤذن له؛ قلت: فأخبر زرارة بذلك؟ قال: نعم، قال زياد: فقدمت الكوفة، فلقيت زرارة، فأخبرته بما قال أبو عبد الله -عليه السلام-، وسكتّ عن لعنه، قال: أما إنّه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم، وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال".
قلت: رجال السند ثقات، ولكنه ضعيف جدا؛ فمحمد بن أبي القاسم لا يروي عن زياد بن أبي الحلال غير هذه الرواية مع الواسطة ومن دونها، سواء بواسطة أو من دون واسطة، والذين يروون عن زياد بن أبي الحلال هم أربعة: محمد بن سنان، وابن أبي عمير، وأبو سعيد المُكاري، وعلي بن الحكم، وليس لمحمد بن أبي القاسم أي رواية عن أحد هؤلاء الأربعة، فالسقط في السندشخصان أو ثلاثة أشخاص، وليتضح الأمر راجع روايات محمد بن أبي القاسم عن هؤلاء الأربعة وستجد ما ذكرناه جلياً.
هذه عمدة الأخبار الواردة في لعن زرارة، فما سواها أضعف سندا بكثير، وكيف كان الجواب عن هذه الشبهة ينحل إلى ثلاثة أجوبة:
الأول: الإشكال في أسانيد هذه الروايات.
قد تبين لك ضعف كل الروايات التي تشتمل على لعن في حق زرارة بن أعين.
الثاني: دلالة بعض الأخبار على اللعن المشروط بصدور قول أو تبني اعتقاد من زرارة.
ويشهد لذلك من الروايات:
أ- روى الكشي بسند معتبر "حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن حمزة، قال قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-بلغني أنك برئت من عمي -يعني زرارة-؟ قال، فقال: إنا لم أبرأ منزرارة، لكنهم يجيؤون ويذكرون ويروون عنه، فلو سكتّ عنه ألزمونيه، فأقول: من قال هذا فأنا إلى الله منه بريء.
يستفاد من الخبر: أن الإمام -عليه السلام- لم يلعن، وأن لعنه كان تقديرياً، وهذا يمثّل إشكالاً في كل روايات اللعن التنجيزي.
ومن المحتمل -على تقدير صحة بعض روايات اللعن- أن بعض الرواةتصرّف فيما سمعه، بأن يكون الإمام قد لعن لعنا مشروطا، ففهم الراوي اللعن التنجيزي.
ب- روى الكشي بسند ضعيف يتقوّى بغيره "محمد بن مسعود، قال: حدثني عبدالله بن محمد بن خالد، قال: حدثني الوشاء، عن ابن خداش، عن علي بن إسماعيل عن ربعي، عن الهيثم بن حفص العطار، قال: سمعت حمزة بن حمران يقول حين قدم من اليمن: لقيت أبا عبد الله -عليه السلام-، فقلت له: بلغني أنك لعنت عمي زرارة،قال: فرفع يديه حتى صك بها صدره، ثم قال: لا والله، ما قلت،ولكنكم تأتون عنه بأشياء، فأقول: من قال هذا فأنا منه بريء، قال:قلت: فأحكي لك ما يقول؟ قال: نعم، قال قلت: إن الله -عز وجل- لم يكلف العباد إلا ما يطيقون، وأنهم لن يعملوا إلا أن يشاء الله ويريد ويقضي، قال: هو والله الحق.
ودخل علينا صاحب الزطي فقال له يا ميسر ألست على هذا؟ قال: على أي شيء أصلحك الله أو جعلت فداك؟ قال: فأعاد ذا القول عليه كما قلت له، ثم قال: هذا والله ديني ودين آبائي".
الثالث: صدور هذه الروايات عن الإمام من باب التقية.
روى الكشي بسند صحيح "حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، قال: حدثني يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن زرارة؛ ومحمد بن قولويه والحسين بن الحسن، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني هارون بن الحسن بن محبوب،عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين، عن عبد الله بن زرارة، قال: قال لي أبو عبد الله -عليه السلام-: اقرأ مني على والدك السلام، وقل له: إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه ونقربه، يرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عبناه نحن وأن نحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا ولميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا ولميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك، يقول الله -جل وعز- أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة" صالحة"غصبا" -هذا التنزيل من عند الله "صالحة"-، لا والله، ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ، والحمد لله.
فافهم المثل يرحمك الله، فإنك والله أحب الناس إلي، وأحب أصحاب أبي -عليه السلام- حيا وميتا، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، أن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثم يغصبها وأهلها،فرحمة الله عليك حيا، ورحمته ورضوانه عليك ميتا، ولقد أدى إلي ابناك الحسن والحسين رسالتك، حاطهما الله وكلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي -عليه السلام- وأمرتك به، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به.
ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق، ولو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به، فردوا إلينا الأمر، وسلموا لنا، واصبروا لأحكامنا، وارضوا بها، والذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرق بينها لتسلم، ثم يجمع بينها لتأمن من فسادها وخوف عدوها في آثار ما يأذن الله، ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده، عليكم بالتسليم والرد إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم، ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض، كما أنزله الله على محمد -صلى الله عليه وآله- لأنكم أهل البصائر ...".
ملاحظة: الإمام -عليه السلام- يطرح قاعدة كلية لا جزئية، باعتبار هذه القاعدة من مرجحات التعارض في الأخبار المتعرضة لأحوال الرجال ينفتح الباب لعلاج جملة مما يوهم التعارض.
ومما تقدم يظهر لك الجواب، وما عليه زرارة من الصواب، والحمد لله رب العالمين
Comments
Post a Comment