عقبات في طريق طالب العلم
بقلم محمد العامري
كثير ما نسمع أن كتاب الحاشية في المنطق صعب، وأن علم الفلسفة معقد ولا يمكن فهمه، وأن كتاب الكفاية في الأصول كتاب ألغاز.
ولكي لا تقف هذه الوساوس في وجه طالب العلم، نضع بين أيديكم لطائف في أسباب تعقيد الكتب والعلوم وكيفية فك ذلك التعقيد إن شاء الله.
أسباب صعوبة الكتاب وعدم الفهم:
بعد استقراء أسباب تعقيد الكتب وجدنا أنها ترجع لأربعة أمور أساسية:
١- إحكام عبارة الكتاب واختصارها.
٢- اعتماد الكتاب على مصطلحات ومباني علمية خاصة.
٣- دقة مطالب الكتاب وعمقها.
٤- اجمال كلمات الكاتب وغرابة تركيبها وتعقيد ضمائرها.
وسنطرح أمثلة لكل سبب، ومنهجا مقترحا لإزالة تعقيده.
السبب الأول إحكام العبارة:
إحكام العبارة واختصارها لا يعد عيبا ولا نقصا في الكتاب، بل هو أمر لطيف ذو جنبة إبداعية، فإحكام العبارة لا يعني صعوبتها، بل قد تجد عبارة مختصرة لكنها واضحة بينة تحتوي كل المراد.
فلا يخفى عليكم ما لبعض الشعر من اللطافة والإبداع ووضوح المراد مع اختصار العبارة وإحكامها. وكذا في بعض آيات القرآن الكريم.
فإحكام العبارة يتشكل بأن تكون كل كلمة مقصودة بمعناها الدقيق واختيرت هي في مقابل ما يقرب من معناها، وذلك بأقل العبائر الممكنة.
وحتى يتمكن الطالب من التعامل مع هذا النوع من الكتب، عليه أن يقوي ملكة التحليل اللغوي، فإذا وجد المبتدأ فتش عن الخبر وإذا وجد الفعل فتش عن فاعله، وإذا رأى عطفا تسائل هل هو للاحتراز ام للتوضيح، وهذا يحصل بالمرور على متن نحوي ودراسة المتون المحكمة اللطيفة، ولا يخفى ما للمرور بدرس تفسير للقرآن من تقوية لهذا الجانب.
ومن أمثلة هذا القسم: كتاب تهذيب المنطق ومتن كتاب قطر الندى. فمن أتم دراستهما ثم قرأ المتن مره أخرى سيجده في غاية الحلاوة والأناقة.
السبب الثاني المباني العلمية الخاصة:
مما لا شك فيه أن قراءة الطالب لكتاب له مصطلحاته الخاصة ومبانيه الخاصة، سيجعل الكتاب في غاية الصعوبة بالنسبة له، ولكن هذه الصعوبة قابلة للزوال بخطوات بسيطة، فعلى من يواجه كتابا من هذا القبيل أن يبحث عن منهج أسبق يبتدؤ بشرح المباني والمصطلحات قبل الدخول في المطالب، أو أن يرافقه كتاب يشرح تلك المباني الخاصة.
وسيلاحظ القارئ أن بعد فك المصطلحات ستكون العبارة سهلة خفيفة.
ومن أمثلة ذلك: اعتماد كتب الاصول على المنطق وعلى علوم اللغة واعتماد كتاب كفاية الاصول على الفلسفة، واشتمال كتب علم الكلام لأصحابنا المتقدين على مصطلحات ومباني خاصة، فلابد أولا من دراسة العلوم المتقدمة ثم الدخول في الكتاب.
السبب الثالث دقة المطالب وعمقها:
كما يجب على الطالب أن يقوي لديه ملكة التحليل اللغوي، فينبغي عليه أن يقوي ملكة التحليل العقلي، فعندما يبدأ الطالب بدراسة علم المنطق او دراسة معاني التراكيب النحوية والربط بين الكلمات، عليه أن يتأمل تأمُل تدقيق ونظر، وأن يحاول في مسيرته العلمية أن يصقل ملكته بالتفكُر بما يمر عليه من المطالب.
وبذلك ستسهل عليه دراسة كتب المنطق العميقة وكذا الكتب الفلسفية او الكتب الأصولية في المراحل المتأخرة، والتدرج في دراسة الكتب من حيث العمق سلاح لا ينبغي أن يستهان به، والتحدي الذي يواجه الطالب في الدراسة من أشد ما يقوي ملكته.
السبب الرابع الإجمال والغرابة:
ومما لا ينبغي إنكاره في المقام، وجود بعض الكتب التي تحتوي على مشاكل لغوية. فتارة تكون الكلمات مجملة فلا يفهم المراد الدقيق، وتارة تحتوي الجمل على عُجمة مخلة بالمعنى. وتارة يفصل بين المبتدأ والخبر بأسطرٍ متعددة ويرجع الضمير إلى إسم بعيد بلا قرينة ظاهرة.
وهذا النوع من الكتب هو الأكثر إتعابا للطالب ولا يوجد حل لفك تعقيدها إلا بذل الجهد واعتياد الطالب على هكذا عبائر، ولكنه ولحسن الحظ، هذه الكتب ليست كثيرة، وعادة يوجد بديل لها يفي بمطالبها.
ومن اللطيف أنه قد ألفت كتب هي إعادة صياغة وتهذيب لكتب أخرى، ككتاب "عون إخوان الصفاء على فهم كتاب الشفاء"، فهو إعادة صياغة لكتاب الشفاء لإبن سينا مع المحافظة على مصطلحاته ومبانيه وترتيب كتابه وتبويباته،
وإن أبت الظروف إلا الخوض في هذا النوع من الكتب، فلا ينبغي لمن تستغفر له الملائكة والحيتان في البحر أن توقفه عن مقصوده سهر بعض الليالي.
والحمدلله رب العالمين
Comments
Post a Comment