هل يجب معرفة الحكمة من التشريعات؟
بقلم علي دشتي
لماذا أوجب الله الصوم بهذه الكيفية، امتناعٌ عن
الطعام من الفجر إلى المغرب؟ ألا يكفي أن أشعر بالفقير وحاجته؟
ولماذا أوجب الله الحجاب على المرأة ولم يفرضه على الرجل الجميل؟ ألم يكن غرضه الستر؟
بل لماذا جعل الحج بهذه الكيفية المتعبة؟ طوافٌ
وسعيٌ فوقوفٌ بعرفة، فمبيتٌ بمزدلفة ثم رميٌ للجمرات، إلخ، ألا يكفي أن يطوف قلبي
حول جلاله، فأذوب في معشوقي؟
أسئلة وإشكالات تراود البعض، منشؤها خلل في فهم
نقاط:
الأولى: بعض الخطابات الدينية -لأجل أن ترغب
الناس في بعض الأحكام- ذكرت إيجابيات لهذه الأحكام؛ رجاءَ كسب قلوب العوام وقبولهم
لتلك الأحكام، سواء كانت هذه الإيجابيات قد وردت في الكتاب والسنة أم قدّرها بعض
المتأملين في أهداف الشريعة ومقاصدها.
فحصل سوء فهم من قبل المتلقين، فجعلوا هذه "الإيجابية" مناطاً
للحكم، فمتى وجدت هذه الإيجابية، كان علينا فعلها، ومتى لم توجد، لم يجب فعلها.
فالحجاب -مثلاً- ليس بواجب في زماننا؛ لأن المناط
في تشريعه هو الستر، ولمّا كان الستر في عرف أهل زماننا -وفقاً لزعم البعض- يتحقق
بغير الحجاب = لم يكن الحجاب واجباً.
والصوم إنما شُرّع لأجل الشعور بالفقراء
ومعاناتهم، ومتى شعرنا بشعورهم فلن نحتاج إلى الصوم.
والطواف حول البيت إنما شُرّع لأجل التقرب إلى
الله، ومتى تقربنا إليه فلن نحتاج إلى إكمال الحج بهذه الكيفية المتعبة.
وهذا كله غير صحيح؛ فإنه لا دليل على أن السبب
التام لتشريع وجوب الحجاب هو التستّر، وغاية الأمر أن بعض النصوص أشارت إلى فوائد
الحجاب وآثاره الحسنة، ولا يعني هذا أن سبب تشريع الحجاب التام هو التستّر.
وحينئذ ما دمنا نحتمل وجود أغراض ومقاصد أخرى
وراء تشريع الحجاب لم يكن تركه مبرراً بحجة تحقق الهدف من تشريعه في زماننا
وكذلك الكلام في الصوم والحج كما هو واضح.
الثانية: يغفل البعض وجود بعض الموارد التي لم
يشرع الله حكماً فيها إلا لابتلائنا، ﴿إِلّا لِنَعلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسولَ
مِمَّن يَنقَلِبُ عَلى عَقِبَيهِ﴾ [البقرة: ١٤٣]، وفي غالب الحالات هذه العلة من
التشريع يحتمل وجودها، فلا يمكن تجاهلها وجعل المناط هو المصلحة والإيجابية لا
غير.
الثالثة: أن هناك سبباً يجعلنا نعمل بأحكام الله،
سواء عرفنا الإيجابيات من هذه الأحكام أم لا، وهو العبودية له -عز وجل-.
فنحن "عبيد" له، يملكنا، تجب علينا طاعته، والامتثال لأوامره،
والتسليم له.
فلا نحتاج إلى معرفة العلل وراء أحكامه! أو أن
أنتظر معرفة الفائدة وراء هذا الفعل حتى أفعله! هي أوامر أمرنا مالك السموات
والأرض بها، العظيم الجليل القادر العزيز العليم الحكيم، قال الله تعالى: ﴿لا
يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]
ولعلّ سوء الفهم هذا يشوّه نيتنا في أعمالنا لله
-عز وجل-، فلعلّ البعض منا -ولغفلةٍ منه- يعمل العمل ابتغاء تلك "الإيجابية" والمصلحة،
فيذكر الله لأنّه يريد أن يطمئن قلبه، لا أنه يذكر الله لأنه يريد أن يطيع أمر
الله ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا﴾ [الأحزاب:
٤١]
فلنجعل نياتنا خالصة لوجهه تعالى، ولنطلب من الله
عز وجل الإخلاص له في هذا الشهر الكريم.
"صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجعَل
النّورَ في بَصَري، وَالبَصيرَةَ في ديني، وَاليَقينَ في قَلبي، *وَالإخلاصَ في
عَمَلي*، وَالسَّلامَةَ في نَفسي، وَالسّعَةَ في رِزقي، والشُكرَ لَكَ أبَداً ما
أبقَيتَني.
Comments
Post a Comment