العبودية لله أبعاد مختلفة
بقلم عمار الصفار
"وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"
تشير هذه الآية إلى مبدأ قام عليه الإسلام ودار مداره، وهو الإقرار بلزوم العبودية لله تعالى.
لسنا في مقام شرح ذلك مفصلا، إنما الغرض في هذه الكلمات أن نشير
إلى أبعاد قد يغفل البعض عنها بفعل الجهل أو الانخداع بالأطروحات المُضلّة
المُنتشرة في المجتمع، فنقول بعد البناء على
١- أن الله هو الخالق لهذا الكون
٢- وأن الخالق هو المالك وله حق الطاعة.
٣- وأن حق الطاعة متمثل في امتثال التشريع الإسلامي بتفاصيله.
قد يتصدّى البعض للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر -وهذا مما ينتشر اليوم في مجتمعنا- متكئين على فكرة "دع الخلق للخالق! فعليه الحساب لا عليك!"، يريدون بذلك تأصيل الجنبة الشخصية للعلاقة بالله تعالى وعبوديّته
وهذه الفكرة التي يستند عليها هذا التصدّي = غير صحيحة ولا مُدلّلة، والذي يبيّن ذلك:
أن العبودية والطاعة والانقياد في شريعة الإسلام تتضمّن ضرورة تجاوز الجانب الفردي، وذلك لأن التسليم للأوامر الإلهية يقتضي الجري على مضمونها كائنةً ما كانت، فإذا لاحظنا أن من الأوامر ما يتجاوز الجنبة الفردية كما في قوله عز من قائل "كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللهِ" = عَلِمنا أن التسليم لله تعالى = مساوق لاشتمال التعبّد لله تعالى على جنبة التصدّي للمجتمع
وهذا يوصلنا إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي أن التزام الشرع مساوٍ للتصدّي للمجتمع في ضمن الحدود الشرعية، وقصر الدين على الجنبة الفردية مساوٍ لعدم التسليم لله تعالى!
ومن هنا يتضح أن قولهم "دع الخلق للخالق" يساوي "اعصِ الخالق"!!!
هذا بالإضافة إلى أن التأمل في أحكام الإسلام المتنوّعة يوضح للناظر أن من أهم أهداف التشريع الإسلامي بناء مجتمع مترابط متمسك متعاون على البر والتقوى، قال تعالى "وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"
ولا يعقل تحقق هذا إلا من سلوك المسلم في تديّنه سلوكا اجتماعيا يأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر!
ولكننا -بسبب تقاعسنا عن أداء تكاليفنا وسكوننا إلى بعض الأفكار
المستوردة- أصبح الناهي عن المنكر فينا غريباً وفعله مستنكراً، بيد أننا إن راجعنا
نصوص السُّنّة وجدنا أنّ توقف الناهي عن المنكر عن النهي هو الأمر الغريب والمنكر
لا التصدّي، فيكون النهي عن المنكر سداً ذريعاً يحرجُ فاعل المنكر، فتبقى
المرتكزات الإسلامية قارة في الأذهان حيةً في السلوك!
Comments
Post a Comment