دين العجائز





بقلم حسن فلاح 

يوجد مصطلح متداول بين الناس يُعرف ب"دين العجائز"، وهو يُطلق على المتدين الذي يكون إيمانه بالعقائد الحقة راسخًا غيرَ أنّ أيمانه في الوقت نفسه = إيمان بسيط سطحي لم يتم تحصيله بالنظر في الأدلة والبراهين العلمية، حيث يعتبر البعض هذا النوع من الإيمان حسنا وممدوحا، فيُطالِب بعدم تشجيع صاحبه على التفكير؛ لأن ذلك قد يُسبّب له الشك، فتقلّ درجة إيمانه!!!

وهذا الموقف غير سليم، لوجهين:

الوجه الأول -وهو الوجه العقلي-: 

صحيح أن هذا الإيمان مشتمل على خصلة تقع موقع الثناء والإعجاب -وهي صفة الإصرار والثبات على الموقف مهما وُجدت دواعي التخلّي عن الإيمان-، ولكن لا يخفى أن صاحب هذا الإيمان لا يأمن على نفسه من الخطأ والعقاب في الآخرة.

ففي جميع الأديان -بما فيها الأديان الباطلة- يوجد من يؤمن إيمانًا راسخًا قويا لا يتقبّل تركَه ورفعَ اليد عنه، فكما أن الشخص المسلم يحمل إيمانًا راسخًا فكذلك غير المسلم، وعليه فلا بد لمن يريد أن يضمن النجاة أن يفحص عقيدته ويتأكد من صحتها. 

قد يُقال: ما دام إيمان هذا الشخص صحيحا مطابقا للواقع فقد أدّى وظيفته الشرعية، وعليه فهو من أهل النجاة.

ولكن لا يخفى أن هذا لا يكفي؛ فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فذهب البعض إلى عدم اشتراط معرفة الدليل في الإيمان لأجل النجاة، والبعض الآخر اشترط ذلك، وعليه فمقتضى هذا الاختلاف أن يحتاط المكلف ويجعل إيمانه مبنيًا على الدليل الصحيح.

واعتماد المكلف على فتوى الفقيه في هذه المسألة لا ينفع في المقام؛ وذلك لأن حجية فتوى الفقيه متوقفة على صحة الدين الإسلامي والتقليد، وإحراز ذلك إنما يتم عن طريق العقل، فعلى أي حال يجب على المكلّف أن يفحص عقيدته ويبني إيمانه عن دليل حتى يضمن النجاة.

الوجه الثاني -الوجه الشرعي-: 

هذا النوع من الإيمان غالبًا ما يكون فاقدا للتعلّم والاطّلاع، وقد ذم الشارع الجهل وحثّ على التعلّم وإعمال العقل باعتباره طريقًا لبلوغ الحق ولتحصيل الأحكام الشرعية من جهة واعتباره أمرًا مستحبًا ومطلوبًا ظن جهة أخرى. 

أما النصوص القرآنية التي تشير لذلك فهي النصوص التي تذم المشركين المتّبعين لآبائهم دون تعقّل وتفكير، كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ البقرة 170

وكقوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾الملك 10

وكقوله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) البقرة: 219

وغيرها الكثير من الآيات التي تفيد هذا المعنى.

أما بالنسبة للروايات، فتوجد الكثير من الروايات المتواترة معنىً ومضمونا تحثّ على التعلّم والتفقه في الدين، ودونك طرفًا منها: 

روى الشيخ النعماني في الغيبة عن أبي عبد الله الصادق ع أنه قال "من دخل في هذا الدين بالرجال = أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة = زالت الجبال قبل أن يزول"

وروى البرقي في المحاسن عن الصادق ع أنه قال "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام"

وروى أيضا عن الصادق ع أنه قال "تفقّهوا في دين الله ولا تكونوا أعرابا؛ فإنه مَن لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزك له عملا".

وبهذا تتبيّن لك أخي العزيز أهمية العلم والتعلّم، فلا ينبغي الاكتفاء بالإيمان السطحي الفاقد على التعلّم والتفقه وإن كان راسخًا، نعم ليس على المكلّف دائمًا معرفة الأدلة العميقة المعقدة ولا أن يكون مطّلعًا على جميع الشبهات، بل يكفي أن يعرف الدليل المنطقي المناسب لمستواه بحيث يجعله متيقنا بالحق والصواب.

Comments

Popular posts from this blog

ما معنى أن الله خلق الأشياء بالمشيئة؟

شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات

ما هو التفويض الباطل؟