وقفة مع الروايات الواردة في علة خروج الحسين (ع)
بقلم حيدر دوشلوري
بسم الله الرحمن الرحيم
إن فاجعة الطف من أعظم الفجائع التاريخية إن لم تكن هي الأعظم، وقد كثرت حولها
الدراسات والتحليلات من جهات عدة، ومن تلك الجهات الغرض من خروج الإمام الحسين ع،
والتخطيط لهذا الخروج، فهل كان طالبًا للحكم بخروجه؟ وهل اتخذ ع التدابير اللازمة
لتحقيق غرضه؟ وهل حقق غرضه -ع- أم لا؟
وقد اختلفت الآراء في ذلك، إلا أن الشيعة الإمامية -أعلى الله كلمتهم- بناء على
اعتقادهم عصمةَ الأئمة الهداة -ع- ، ولِما ورد في بعض الروايات مما سيأتي ذكره إن
شاء الله يعتقدون أن الإمام -ع- قد خرج لأمر قد كتب عليه، وقضاء لله هو بالغه، وما
على تلعة أو نزل واديًا إلا بما يوافق رضا الله تعالى، وأما غير الشيعة فمنهم من
ذهب إلى كون خروج الحسين ع اجتهادًا بشريًا، غرضه الحكم والسلطة، وأنه -ع- خُدع
بكتب الناس ورسائلهم، وهذا الرأي فاسدٌ لا دليل عليه بل الدليل على خلافه كما
ستعرف إن شاء الله.
ومن هنا قد يخطر سؤال وهو: لماذا خرج الحسين ع ولم يخرج قبله أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ع؟ ولماذا لم يصالح كما صالح الإمام الحسن ع؟ ومن خلال الروايات التالية
يتبيّن الجواب وتتضح الرؤية إن شاء الله.
فقد روى الكليني - رض - بسند صحيح عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر الباقر ع قال: (
قَالَ لَهُ حُمْرَانُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ
وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَ خُرُوجِهِمْ وَ
قِيَامِهِمْ بِدِينِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ
اَلطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ اَلظَّفَرِ بِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَا حُمْرَانُ إِنَّ اَللَّهَ
تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَضَاهُ وَ
أَمْضَاهُ وَ حَتَمَهُ ثُمَّ أَجْرَاهُ فَبِتَقَدُّمِ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ
مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ قَامَ عَلِيٌّ وَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ وَ بِعِلْمٍ
صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا . ) [1] ، وروى الكليني - رض - بهذا المضمون خمس روايات
كلها تفيد أن الإمام ع إنما خرج طاعةً لله سبحانه وتنفيذًا لأمره عز وجل.
ومما يدل على علم الإمام ع بمآل خروجه ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات بسند
معتبر عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ : ( كَتَبَ
اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بِسْمِ
اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ مِنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ مَنْ لَحِقَ بِي اُسْتُشْهِدَ وَ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِي لَمْ يُدْرِكِ
اَلْفَتْحَ وَ اَلسَّلاَمُ ) [2] فالإمام ع منذ أن كان في مكة يعلم بشهادته - ع -
ومن هنا نفهم كثيرًا من أفعال الإمام - ع - في هذا الخروج، فنفهم عدم توخيه
السلامة وما يحقق النصر العسكري، ونفهم سبب إخراج النساء والأطفال معه، والشواهد
التاريخية على ذلك كثيرة جدًا، جمع كثيرًا منها السيد محمد سعيد الحكيم في كتابه
فاجعة الطف، والسيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه المأتم الحسيني مشروعيته
وأسراره.
منها ما روي أن الحسين - ع - قال لبعض من لقيه في الطريق ( هذه كتب أهل الكوفة
إلي، ولا أراهم إلا قاتلي ... ) [3] ، وما روي أن الإمام - ع - خطب في عسكر ابن
سعد فقال: ( ... ثم أيم الله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، ثم تدور بكم
دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي {فأجمعوا أمركم
وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } ) [4] ، وكذا ما روي من خطبته - ع - في مكة
حيث قال: ( خُطَّ اَلْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ اَلْقِلاَدَةِ عَلَى
جِيدِ اَلْفَتَاةِ وَ مَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلاَفِي اِشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ
إِلَى يُوسُفَ وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لاَقِيهِ كَأَنِّي بِأَوْصَالِي
تَتَقَطَّعُهَا عَسَلاَنُ اَلْفَلَوَاتِ بَيْنَ اَلنَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلاَءَ
فَيَمْلَأْنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً وَ أَجْرِبَةً سُغْباً لاَ مَحِيصَ عَنْ
يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ رِضَى اَللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ ... ) [5] ،
وكذا ما روي أنه قال لما بلغه مقتل مسلم بن عقيل - ع - : ( رحم الله مسلمًا، فلقد
صار إلى روح الله وريحانه وتحيته وغفرانه ورضوانه، أما إنه قد قضى ما عليه، وبقي
ما علينا ) [6].
ومما يدل على عدم توخيه -ع- السلامة ما روي في جوابه لأحد بني عكرمة حيث قال: ( يا
عبد الله إنه ليس يخفى عليّ، الرأي ما رأيت، ولكن الله لا يغلب على أمره ) [7] ،
وما روي في جوابه لأخيه ابن الحنفية عندما قال له: يا أخي ألم تعدني النظر فيما
سألتك؟ قال: بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلًا؟ فقال: ( أَتَانِي رَسُولُ
اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ مَا فَارَقْتُكَ فَقَالَ يَا
حُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اُخْرُجْ فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاكَ
قَتِيلاً فَقَالَ لَهُ اِبْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ « إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا
إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ » فَمَا مَعْنَى حَمْلِكَ هَؤُلاَءِ اَلنِّسَاءَ مَعَكَ وَ
أَنْتَ تَخْرُجُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ اَلْحَالِ قَالَ فَقَالَ لَهُ: قَدْ قَالَ
لِي إِنَّ اَللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاهُنَّ سَبَايَا ... ) [8].
وبعد النظر في كل هذه الشواهد وغيرها من القرائن نعلم بأن الحسين - ع - لم يكن
طالبًا للحكم، ولا راغبًا في الانتصار العسكري، وقد خرج بعد أن وصلته كتب القوم
لإقامة الحجة وجريًا على ظاهر الحال، أما السبب الواقعي فهو الشهادة في سبيل الله
حفظًا لدين جده رسول الله - ص - ، ويؤكد ذلك ما روي عن الإمام زين العابدين -ع- في
جوابه لإبراهيم بن طلحة حين سأله عن الغالب، فقال -ع- : (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ، وَ دَخَلَ وَقْتُ اَلصَّلاَةِ، فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ )
[9].
[1] الكافي، ج1 ص 262
[2] كامل الزيارات، باب 23 ، ح20
[3] تاريخ دمشق ج14 ص 216 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ع، وغيره من
المصادر.
[4] اللهوف في قتلى الطفوف ص59، تاريخ دمشق ج14 ص219 وغيرها.
[5] اللهوف ص 38، مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص 5-6 وغيرها.
[6] مقتل الحسين للخوارزمي ج1، ص223، الفتوح لابن أعثم ج5 ص80، وغيرها.
[7] تاريخ الطبري ج4، ص 301 أحداث ستين للهجرة، وغيره.
[8] اللهوف في قتلى الطفوف ص 39-40.
[9] الأمالي للطوسي ص677.
Comments
Post a Comment