تفنيد أسس دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي
بقلم سيد علي أبو الحسن
كلام في تفنيد بعض أسس
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي ت١٢٠٦ مؤسس ما يُسمّى بالحركة الوهابية
سلسلة تغريدات
في القرن الثاني عشر الهجري قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي ت١٢٠٦ بالدعوة إلى عقيدة التوحيد زاعما وقوع الكثير من المسلمين في الشرك في العبادة
وقد استندت دعوتُه على
جملة من الأفكار التي دعا إليها تقي الدين أحمد ابن تيمية الحراني ت٧٢٨
وبعيدا عن ابن تيمية
سنركز هنا على بيان المشكلة الرئيسة التي وقع فيها ابن عبد الوهاب، والتي بتبعها
كفّر هو وجماعة من أتباعِه الكثيرَ من أهل الإسلام! بل غالبَهم!! [النص للشيخ
سليمان بن سحمان النجدي ت١٣٤٩، ولاحظ ماذكره بعد كلامه هذا وكلامه في الدرر السنية
ج٨ ص٤٦٣]
ابتنت دعوة الشيخ على:
١- تقسيم
التوحيد إلى توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية وتوحيد الأسماء والصفات
والثالث هو إثبات الصفات من غير
تحريف ولا تأويل ولا تعطيل [القول المفيد للشيخ محمد بن صالح العثيمين ت١٤٢٠]
٢- أن مشركي
العرب لم يكونوا مشركين في الربوبية؛ فقد كانوا يقرون بأن الخالق المالك المدبّر
الرازق هو الله وَحدَه، ولكنّهم أشركوا في الألوهية، فعبدوا غير الله تعالى وإن
أقروا بتوحيد الربوبية!! [كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب ت١٢٠٦]
٣- أن ما يصرفه
الكثير من المسلمين من الدعاء والنذر والذبح لغير الله = عبادةٌ لغير الله تعالى
[كشف الشبهات أيضا]
فينتج مما تقدّم أن غالب
المسلمين واقعٌ في شرك الألوهية، ومجرد ادعاء المسلمين أن ما يفعلونه إنما
للاستشفاع والتوسل بالصالحين لا ينفعهم؛ فإن مشركي العرب لم يدّعوا أكثر من ذلك؛ إذ
كانوا يوحدون في الربوبية ويشركون في الألوهية طمعا في شفاعة آلهتهم!!!
فأي فرق بين مسلمي اليوم
والمشركين؟!!! بل ذكر جماعة من أتباع الدعوة النجدية أن شرك المنتسبين للإسلام
أعظم من شرك المشركين!!! [كشف الشبهات أيضا]
وقد تصدّى له الكثير من
العلماء من شتّى مذاهب وفِرَقِ المسلمين وبيّنوا سقوط دعواه ببيانات متعدّدة
تفاوتت في القوّة والمتانة والحرب سجال!! "فَأَمَّا
ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی
ٱلۡأَرۡضِ"
والذي يُهمّنا في المقام
تسليط الضوء على الركن الثالث من أركان دعوته؛ فببيان حاله يسقط التكفير من رأس!!
وقبل بيان ذلك ينبغي الالتفات إلى أن بعض المعاصرين من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب توهّم أن إثبات الركن الثاني من أركان دعوة الشيخ كفيل بإثبات وقوع الكثير من المسلمين في الشرك؛
وذلك لأنه إن ثبت أن
المشركين كانوا موحّدين في الربوبية لم يكن هناك فرق بين ما يصرفه المشركون
لأصنامهم وبين ما يصرفه الكثير من المسلمين للأولياء الصالحين
فإذا ثبت أن المشركين
أشركوا في خضوعهم للأصنام رغم توحيدهم في الربوبية = ثبت أن المسلمين مشركون في
خضوعهم للأولياء الصالحين وإن زعموا الاسشفاع!
وقد جاراهم على هذا
التوهّم بعض من تصدّى للرد على دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب فأصرّوا على إثبات شرك
العرب في الربوبية، وكأنهم إن عجزوا عن إثبات شرك المشركين في الربوبية = تمّت
للشيخ ابن عبد الوهاب دعواه!
والوجه في بيان التوهم أن
أتباع الشيخ النجدي هم المطالبون بإثبات وقوع الشرك من قبل المسلمين، ولا يتم لهم
ذلك حتى يُثبِتوا تماثل ما وقع من المشركين مع ما يقع من المسلمين!
ولا يكفي في ذلك إثبات
توحيد المشركين في الربوبية؛ فإن مجرّد ذلك لا يستلزم وقوع المسلمين في الشرك إلا
من خلال الرابط العجيب!
فأي علاقة بين إقرار
المشركين في الربوبية وانحصار شركهم في الألوهية وبين كون ما يقع من المسلمين
اليوم بغرض التشفّع والتوسّل بأولياء الله شركا؟!!!
فالواجب على القائلين
بتلك المقالة أن يبيّنوا ضابطة العبادة أولا، ثم عليهم أن يبيّنوا أن ما يقع من
المسلمين مشمول بتلك الضابطة وما لم يفعلوا ذلك لم يكن لهم اتهام أهل الشهادتين
بالشرك!
ومن نظر في كتبهم وتأمل
فيها لم يجد لهم بيانا منضبطا للعبادة مع بيان انطباقه على أفعال المسلمين التي
يتهمونهم فيها بالشرك والكفر!!! وهذا من العجائب!!! [لاحظ المصادرات المنطقية في
نص الشيخ ابن عبد الوهاب من كشف الشبهات]
ونحن لا ننكر وجود بيانات
تشتمل على الاستدلال على وقوع المسلمين في الشرك، ولكنّها جميعا -فيما اطلعنا
وتابعنا- تفتقد الصنعة المنطقية ومراعاة ضوابط الفقه وأصوله رغمَ عظم الأمر
وغلظته!
ولكي نحقق المسألة في هذا
المختصر نقول: لا يشك أحد في أن محض الخضوع لأحد لا يكفي للحكم عليه بكونه عابدا
للمخضوع له، فمن يخضع لوالديه لا يكون بذلك عابدا لهما، ومن يذل لصديقه لا يكون
بذلك عابدا له، ومن يتواضع لأستاذه لا يكون بذلك عابدا له
ومن هنا لم يكفِ مجرّد
الخضوع لغير الله للحكم على الخاضع بالشرك فلا بد من ضابط آخر فما هو إذاً؟
الذي ندركه بعقولنا أن
العبادة نوع خضوعٍ لا محالة؛ فإنها لا تنفك عن الضعة والذلّة، وهي في نفس الوقت
تمثّل الدرجة العالية من الخضوع، فليست هي مطلق الخضوع، بل هي الدرجة العالية منه،
وهي الدرجة التي ط يحكم العقل بلزوم صرفها للخالق المالك للعباد ولما يملكون،
ولهذا نقبّح بوجداننا من
يصرف هذه الدرجة من الخضوع للصنم أو للكواكب أو للأولياء الصالحين؛ فإن أيا منها
ليس مؤهلا لئن يُعبد كان الأمر ما كان! [النصوص بالترتيب للفضل بن الحسن الطبرسي
في مجمع البيان، ثم للزمخشري في الكشاف، ثم لابن تيمية في مجموع الفتاوى]
ومن هنا نقول: إن الخضوع
الذي يقع من غالب المسلمين تجاه الأولياء ليس من الدرجة العالية من الخضوع في شيء،
بل هو خضوع يراعي فيه المسلم ما جعله الله للولي الصالح من مقام وما جعله فيه من
بركة، فهو خضوع في طول الخضوع لله، وفي ظل أمره وهدايته
فالمسلم لا يعبد غير الله،
وهو عندما يخضع لغير الله فإنما يخضع لاعتقاده بأن الله أجاز له ذلك وشرّعه، ولو
أن الله حرّمه لامتنع منه، ولم يجرؤ عليه
ألا ترى أن المسلمين
الذين يتوسلون بالأولياء ويستشفعون بهم = لا يسجدون لهم! مع أن السجود قد يكون
عبادة كما في سجودنا لله، وقد لا يكون كذلك كما في سجود الملائكة لآدم ع وسجود
أخوة يوسف ليوسف ع وليس ذلك إلا لأن السجود لغير الله محرّم في الإسلام سواء أكان
بقصد العبادة أم لا!
وينبغي أن تلتفت إلى أن
مجرد الخلاف في مشروعية بعض الأعمال وثبوتها في الشرع = لا يبرر أبدا الاتهام
بالشرك والكفر والخروج عن الإسلام، فكم من عمل اختلف المسلمون في مشروعيّته من دون
أن يبرر ذلك التكفير والحكم بالشرك
ولسنا في مقام بيان
مشروعية ما يقع من المسلمين عند الأولياء وقبورهم؛ فإن لذلك موضعا آخر، ولا ننكر
وقوع بعض الأمور المحرمة من بعض الجهلة، وإنما المهم في المقام بيان فقدان دعوى
التكفير للحجة والدليل، فلا تغفل عن الفرق بين المقامين!
والحاصل أن ما يقع من
غالب المسلمين من الخضوع لأولياء الله ليس من العبادة في شيء، بل هو نظير الخضوع
للوالدين وللأستاذ والأخ في الدين لا أكثر ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل، وأنى له
ذلك! وليعلم أن أمر التكفير عظيم!!!
ثم إن ما ذكره الشيخ ابن
عبد الوهاب ومن تَبِعَه من وقوع الشرك في الدعاء والنذر والذبح لغير الله = كلام
لا يخلو من مجازفة!
فإننا لا نعلم بمسلم يذبح
أو ينذر لغير الله، وإن كان ذلك موجودا في زمن الشيخ فالحكم يختص بالفاعل، وهو
نادر كما لا يخفى نعم كثيرا ما يذبح وينذر المسلمون ولله ويجعلون المذبوح والمنذور
في خدمة زوار قبر معيّن ونحو ذلك وليس هذا من عبادة صاحب القبر في شيء كما هو واضح
وأما ما ذكره من دعاء غير
الله ففيه تفصيل كما ذكر ذلك أتباع الشيخ وذلك لأن الدعاء عندهم له إطلاقان: دعاء
العبادة، ودعاء المسألة ومعنى الأول هو نفس معنى العبادة، ومعنى الثاني هو الطلب
والسؤال [القول المفيد للشيخ ابن عثيمين ت١٤٢٠]
وقد ذكر أتباع الشيخ أن
دعاء العبادة إن صُرِفَ لغير الله كان عبادة لغيره تعالى، وهذا من الوضوح بمكان؛
إذ ليس دعاء العبادة إلا العبادة نفسها
وأن دعاء المسألة -الذي
هو الطلب والمسألة- إن صُرِفَ لغير الله ففيه تفصيل: فإن كان المطلوب أمرا مقدور
للعباد فلا إشكال وإن كان مما لا يقدر عليه إلا الله فهو من الشرك
ونحن لا ندري من أين
جاؤوا بهذه الضابطة وعلى أي أساس بنوها؛ فلا ندري ما دخل كون الفعل مقدورا أو غير
مقدور في اتصاف الدعاء بكونه عبادة للمدعوّ!! قد كان ينبغي عليهم أن يُرجعوا
المسألة إلى تعريف العبادة وتحقيقه لا إلى كون المطلوب مقدورا أم لا
أما نحن نقول: الطلب من
غير الله إن اقترن بنية الخضوع المطلق فهو شرك سواء تعلق بما يقدر عليه غير الله
أو تعلق بما لا يقدر عليه إلا الله وإن لم يقترن بتلك النية فهو ليس شركا سواء
تعلق بما يقدر عليه غير الله أم لا
ولهذا يُشرك من يطلب من
المسيح ع المساعدة في حمل طعامه إن كان طلبه بنية الخضوع المطلق للمسيح ع، ولا
يُشرك في العبادة من يطلب من المسيح ع أن يخلق طيرا إن يكن طلبه بنية الخضوع
المطلق نعم، ربما يكون مُشركا من جهة الربوبية، وهذه جهة أخرى! فالكلام في توحيد
الألوهية والعبادة لا غير
ونظنّك أيها القارئ
الحصيف قد التفتَّ خطلِ مقالة التكفير في ربط شركية دعاء المسألة بتعلقها بما يقدر
عليه غير الله وما لا يقدر عليه إلا الله؛ فإن ربط المسألة بهذه الجهة رجوع في
الحقيقة إلى الشرك في الربوبية لا في الألوهية!! =
وكم اتهم القائلون
بالتكفير إخوانهم من المسلمين بالخلط بينهما، ولكن كما قال القائل: رمتني بدائها
وانسلّت!! فإن القدرة من شؤون الربوبية، فكيف تُربط عبادية الدعاء التي هي من شؤون
الألوهية بشأن من شؤون الربوبية!! =
وبهذا تعلم أيها العزيز
السر فيما ذكرناه من عدم وجود بيان منطقي للقوم في تحرير المسألة، فتأمل جيدا!
هذا ما تيسّر في بيان
المسألة على نحو الاختصار، ولعل لنا رجوعا إليها بتوفيق الله وفضله اللهم أصلح
أحوال المسلمين واحفظهم من فتنة التكفير بغير حق، والحمد لك أي ربِّ وحدك لا شريك
لك!
ولا حول ولا قوة إلا بك
تمت بحمد الله!
Comments
Post a Comment