أهمية السؤال في طلب العلم- محمد بن مسلم أنموذجا





بقلم عبدالله صفر 


من الأمور المهمة والمحورية التي عمل عليها الإمامان الصادقين -عليهما السلام- تربية نخبة من العلماء والفقهاء لحمل راية مذهب أهل البيت -ع- ونشره في الأصقاع المختلفة.

وقد صرح الإمام الصادق -ع-  بهذا الهدف عند وفاة أبيه الإمام الباقر -ع-،  فقد روى الكليني بسنده عن أبي عبدالله -ع-  قَالَ:

‏«لمَّا حَضَرَتْ أبي عليه السلام الوفاة، قال: ياجعفر، أوصيك بأصحابي خيراً، قلتُ: جُعلْت فِداك، والله لأدعَنَّهُم والرجل منهم يكون في المصْر، فلا يسأل أحداً».

و فعلاً، ربى أئمة أهل البيت (ع) فقهاء وعلماء أجلّاء حفظوا الروايات الشريفة واهتموا بها ونقلوها إلينا رغم الصعوبات الكثيرة.

ومن نخبة هؤلاء الفقهاء الذين تربوا على يدي الإمامين الصادقين -ع- محمد بن مسلم الطائفي الذي قال النجاشي في ترجمته:

‏«وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر (ع) ، و أبا عبد الله (ع) ، و روى عنهما، و كان من أوثق الناس، له كتاب يسمى الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام.»

مدحه أهل البيت -ع- في مواقف عديدة منها ما رواه الكشي بسنده عن جمیل بن دراج قال: 

‏سمعت أبا عبد الله -ع- يقول: ‏« بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ بالجنة، بريد بن معاوية العجلي، و أبا بصير ليث بن البختري المرادي، و محمد بن مسلم، و زرارة، أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله و حرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست. »

بل إن الإمام الصادق -ع- أرجع الشيعة إليه فقد روى الكشي بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: «قلت لأبي عبد الله -ع-: إنه ليس كل ساعة ألقاك و يمكن القدوم، و يجيء الرجل من أصحابنا فيسألني و ليس عندي كلما يسألني عنه، قال: فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه قد سمع من أبي و كان عنده وجيها».

والذي يظهر للمتأمل، أن السر وراء فقاهة محمد بن مسلم وعلمه الجم ومنزلته عند الأئمة -ع- هو كثرة سؤاله للأئمة -ع- في أمور دينه وحرصه على ذلك.

‏روى الكشي بسنده عن هشام بن سالم، قال: «أقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر -ع- يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد -ع-»

وروى أيضا عن محمد بن مسلم أنه قال:

‏«ما شجر في رأيي شيء قط إلا سألت عنه أبا جعفر -ع-، حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث، و سألت أبا عبد الله -ع- عن ستة عشر ألف حديث».

وهذا أمر بالغ الأهمية، فقد نبهت الروايات الشريفة على محورية السؤال في التعلم والتفقه في الدين وأن السؤال هو مفتاح العلم

منها ما رواه الكليني بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) ، قَالَ:

‏«إِنَّ هذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ، وَ مِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ»

وما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادق عن أبيه (ع)  أنه قال:

‏«الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَ الْمَفَاتِيحُ السُّؤَالُ فَاسْأَلُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِي الْعِلْمِ أَرْبَعَةٌ السَّائِلُ وَ الْمُتَكَلِّمُ وَ الْمُسْتَمِعُ وَ الْمُحِبُّ لَهُمْ».

بل وأكثر من ذلك، فقد بينت الروايات الشريفة أنه لا يصح ترك السؤال بحال وأن سبب هلاك الناس وضلالهم هو ترك السؤال.

‏روى الكليني بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (ع)  قَالَ:

‏«لَا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى يَسْأَلُوا، وَ يَتَفَقَّهُوا وَ يَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ .. »

وروى أيضاً أن الإمام الصادق (ع) قال لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ فِي شَيْءٍ سَأَلَهُ:

‏«إِنَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ».

فعليك يا طالب العلم بكثرة السؤال، حتى ترتقي في مدارج العلم وتصل إلى مرحلة الفقهاء العظام من أصحاب الأئمة عليهم السلام، واحذر من ترك السؤال خجلا أو تكاسلا فإن فيه هلاكك، ولا تتعلل بالشواغل في هذا الزمان الذي تيسرت فيه وسائل التواصل مع وجود العلماء وتوفرهم في مختلف الأرجاء.

نعم، للسؤال آداب فصّلها العلماء فراجعها في مظانّها.

‏والحمدلله رب العالمين.

  

Comments

Popular posts from this blog

ما معنى أن الله خلق الأشياء بالمشيئة؟

شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات

ما هو التفويض الباطل؟