هل تأسيس الحقوق يحتاج إلى خالق؟




 بقلم نوح المهنا 


في خضم النقاشات والمناظرات حول الحقوق هذه الأيام ، نود طرح موضوع مهم حول الحقوق وعلاقتها بالخالق، وقبل الخوض في المسألة، نريد توضيح أننا نقصد بالحق: سلطنة للفاعل على تصرّف معيّن بحيث يصلح له التصرّف وترك التصرّف من دون أن يكون لتصرّفه أي نوع من الإدانة

:فإذا اتضح هذا، نطرح سؤالين يدور البحث مدارهما

الأول: لماذا نحتاج إلى الله لإثبات الحقوق؟

الثاني: هل يمكن أن تُستَمدّ الحقوق من البشر؟

 :‏نقول 

‏أولا: إن هذا الكون الذي نعيش فيه، إما أن يكون له خالق عالم قادرا مختار أو لا يكون

‏ثانيا: ثبت لدينا بالبرهان أن للكون خالقاً عالماً قادراً مختاراً؛ وهذه مصادرة لا نتكفل إثباتها في هذا المقال

‏ثالثا: بناءً على ذلك نقول: إن الخالق بحكم إيجاده للمخلوقات -ونحن منها- بعد أن لم تكن، فهو مالك لها، فالخالق هو المالك لما يخلق، وهذه قضية بدهية

للتنبيه على هذه النقطة البديهية نذكر مثالا يُلفت النظر إلى بداهتها: إن صنع الإنسان آلة ما -ولتكن مطرقة- فإنه يصير مالكا لها بحكم العقلاء، ولهذا نجدهم يذمون من يسلب من الصانع هذه المطرقة ويجعلون له حق التصرف فيها، فإذا كان هذا حال من صنع الأشياء بجمعها وترتيبها فكيف حال من أوجدها عن عدم؟!!

رابعا: التصرف في ملك الغير من دون إذنه قبيح ويستحق فاعله الذم، وهذه قضية بدهية أيضا، وننبه على هذه القاعدة البديهية ملاحظة موقف العقلاء تجاه من يتصرف في سيارة غيره؛ فإنه لا شك في استقباحهم لهذا الفعل، وليس ذلك إلا لبداهة وارتكاز قبح التصرف في ملك الغير من دون إذنه

وبهذا يتضح أن التصرف في ملك الله (الكون بما فيه) من دون إذنه قبيح يستحق فاعله الذم والعقاب بحكم العقل

ومن هنا نجد أنه لا بد من أن تُستَمدّ الحقوق من الله تعالى؛ لأنه سبحانه الملك لكل شيء، فلا يحق عقلا لأحد التصرف إلا بإذنه، كما أنه سبحانه إن أذن لعبد في أن يتصرف في شيء من ملكه لم يجز لأحد مزاحمته وثبت الحق له تجاه غيره

ولهذا لا يجد المؤمن بالله أي مشكلة في إثبات الحقوق ونفيها للعباد

وأما بالنسبة لفرضية استمداد الحق من الإنسان -التي يقول بها اللادينيون- فنقول:

هاهنا عدة اعتراضات:

‏1) نسأل : من أين لك الحق الأول في تشريع الحقوق؟ وهذه الأرض التي وُجِدْت عليها من أين أحرزت الإذن في المشي عليها؟ وهذا الطعام الذي تأكله من حيوان ونبات من أعطاك الحق في قتله واستخدامه ؟

‏فإن قيل: من نفسي؛ يُقال : أنت لم توجد نفسك ولا غيرك لتملك هذا الحق عليهم وتتصرف بهم بل أنت تتصرف في ملك غيرك

‏2) هذه الحقوق والقوانين التي يشرعها الإنسان لا تملك عنصر الإلزام

 توضيح ذلك: ‏أن هذه الحقوق -بالمفهوم اللاديني- نسبية ومتغيرة، ولا يمكن الترجيح بين أي اثنين يشرعان حقوقا مختلفة بل ومتنافية فيما بينها، فيسمح الأول بالاغتصاب ويمنع الآخر عنه

 ‏فإن قيل: نرجّح بينهما بمبدأ النفعية، فيكون من يوفر أكبر قدر من المصلحة العامة للناس هو المرجّح، لأن مراعاة المصلحة العامة هو الضمان لبقاء النظام

‏يُقال : هذا المبدأ يضمن مراعاة مصالح الأغلبية، لكنه لا يضمن مراعاة مصالح الأقلية التي لايكون في مراعاتها نفعٌ للنظام ولا في عدم مراعاتها تهديد على النظام، بل قد تُشرَّع قوانين ضدّها، خصوصًا إذا كانت تضرّ المصلحة العامة كذوي الاحتياجات الخاصة، ‏وهذا لازمُ هذا المبدأ لا يَنفكّ عنه، فلا يوجد مبرر لحماية الأقليات الضعيفة، ولاننكر أن بعض الأنظمة تراعي ذلك، ولكن لايمكن تبرير ذلك وفقًا لهذا المبدأ الفاسد. ‏


Comments

Popular posts from this blog

ما معنى أن الله خلق الأشياء بالمشيئة؟

شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات

ما هو التفويض الباطل؟