حقوق الإنسان بين المفهوم الحديث والإسلام





بقلم السيد علي أبو الحسن 


تبتني فكرة حقوق الإنسان على وجود حقوق أصيلة للإنسان لا تقبل التجاوز ‏كحق الحياة وحق حرية الاعتقاد وحق الحرية (في مقابل الرق والاستعباد) وحق الصحة والتعليم ‏وتتصف هذه الحقوق بالمقبولية عند البشر بمجرد الالتفات لها لما فيها من جاذبية ومضمون موافق بشكل عام لطبيعة البشر، ولكن كما لا يخفى على أي عاقل أن مجرد ميل البشر لهذه الحقوق لا يجعلها حقوقا ثابتة له من الناحية المنطقية! ‏

فمجرد استراحتي النفسية لحق من الحقوق لا يكفي لأجعله حقا لي أطالب الناس بمراعاته والتزامه! ‏

بل لا بد أن أوفر التبرير المنطقي لهذا الحق وأن أجيب على الأسئلة الواردة عليّ، ومن هنا دعونا نسأل بدقة

 ‏١- ما هو الإنسان؟ هل هذا الكائن الذي يتكوّن في بطن أمه قبل الولادة إنسان؟ هل الطفل إنسان؟ هل المجنون إنسان؟ هل المعاق إنسان؟ ‏

٢- لماذا الإنسان فقط؟ لماذا لم يتساوَ الإنسان مع بقية الحيوانات؟ لماذا تميّز وتقدّم عليها؟ وأين النباتات؟ وما حالها؟

٣- من الذي جعل هذه الحقوق للإنسان؟ هل الإنسان هو الذي جعل الحق للإنسان؟!!! ‏

٤- هل هذه الحقوق تثبت لكل إنسان؟ ما الحال بالنسبة للإنسان الذي اعتدى على غيره بالقتل؟ وماذا عمّن آمن بأفكار لا دليل عليها ولا مستند؟ فما حال المشرك؟ وما حال عابد الشيطان؟ 

في نظري ‏إن لم نقدّم أجوبة على هذه الأسئلة بشكل واضح ودقيق لم يكن لنا بد من تحقير هذه النظرية وإسقاطها!! ‏ولم يكن لنا بد من تقديم بديل مُحكم لها يحفظ للبشر مسيرتهم نحو أغراضهم الحقيقية! ‏وينبغي أن تعلم عزيزي .. ‏أن من يتشبث بما يُسمى بحقوق الإنسان على أقسام

فمنهم من يتبنّاها لنصرة مظلوم وإغاثة ملهوف! ‏ومنهم من يتبنّاها ليُحافظ على وجوده ويحمي نفسه لكونه من الأقليات المضطهدة أو المُعرّضة للاضطهاد! ‏ومنهم من ينبنّاها ليكسب الجميع فيحافظ على نفوذه وقوّته كما يفعل ...! ولذلك لا تجد لهذا القسم احتراما مطردا لهذه الحقوق

ومنهم من يَتَتَرّس بهذه الحقوق ليحافظ على ضلالته وانحرافه!! بل لينشرها بين الناس!! ‏وغيرُ خفيّ عليك أخي العزيز أن كون حقوق الإنسان نافعة للبشر لا يكفي لتكون حقوقا بالفعل! ‏فإياك أن تغتر بالمنافع العظيمة التي تقدّمها منظمات حقوق الإنسان لتتوهّم أن الحقوق هذه حقوق بالفعل

وإني لأظن الآن أن الحصافة قد أخذت بيدك لتعرف ما أريد وفي أي موضع أرمي!! ‏

ما أريد أيصاله ‏مجرد كون حقوق الإنسان نافعة لا يعني أنها حق! ‏

ومجرد كون حقوق الإنسان ضرورية للبعض لا يعني أنها حق! ‏فأين الحق إذاً

الحق أخي أن تبحث عن خالقك ‏فإن وجدت لنفسك ولهذا العالم خالقا فاسأله لتعرف إن كان لك حقوق أم لا ‏فإن الخالق هو الذي أوجد هذا العالم لا من شيء كان قبله! ‏فكل شؤونه وتمام أزمّة أموره بيده سبحانه! ‏فهو فقط الذي يحدد الحقوق ويعطيها! ‏لا يشاركه في ذلك أحد كائنا من كان

وإن لم تجد لنفسك فليس لك حق على غيرك كما أنه ليس لغيرك حق عليك!! ‏فلتكن غابةً -بل أتعس-!!! ‏وليكن البقاء للأقوى!!! ‏هذا ‏وما دمت قد وقفت على الطريق وأبصرت المفتاح فاعلم أن الدين هو مفتاح الحقوق!! ‏ولا حقوق إلا بالدين

 وقد آن الأوان لأتحدث عن مفهوم حقوقم الإنسان من ناحية إسلامية

كرم الله بني آدم جميع بني آدم وفضلهم على عامة الخلق ولكن ما هي حقيقة هذا التكريم؟!

يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء 70

ويظهر من آيات الكتاب أن تميّز الإنسان في طبيعة خلقته وتمكنه من الفكر والنطق والبيان

 يقول تعالى: ( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) الرحمن

ويقول تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) التين 4

يقول تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل 78

ويقول تعالى: (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)) الإنسان

وهذا التميز عند الإنسان سخر الله له ما في السماوات والأرض

 نعم ما في السماوات والأرض!!

يقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(13)) الجاثية

ويقول تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة 29   

ولكن هذا التميز لم يكن مجرد تميز محض بل هناك غاية من هذا التميز وهي الابتلاء والاختبار بإطاعته وعبادته والتسليم له سبحانه وتعالى

يقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)) الملك

ويقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ) هود 7

ويقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56

وهو جل وعلا لم يكلف الناس إلا ما يطيقون وما يسعهم

يقول تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التوبة 115

يقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة 286

ومن هنا لم تكن هذه الكرامة الإنسانية كرامة ذاتية في الإنسان لا تقبل السلب والرفع والانفكاك بل هي تابعة للمحافظة على مقتضياتها وشؤونها فمتى راعى الإنسان هذه الكرامة تحصن في مقامها المنيع!

ومتى ضيّعها ضاع وصار كالأنعام بل أضل!!!

يقول تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف 179

ويقول تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً) الفرقان 44

فلا توجد حقوق مطلقة للإنسان بل الحقوق تتبع مراعاة الإنسان لتميّزه الواقعي فمن لم يراع الكرامة انسلبت منه الحقوق بقدر تجاوزه للكرامة وإهماله

فحق الحياة مثلا مقيد بأمرين الأول عدم الفساد في الأرض الثاني عدم قتل النفس المحترمة

 فلا حق في الحياة لمن قتل أو أفسد

يقول تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)) المائدة

هذا تصور إجمالي للحقوق في الإسلام 

ألخصه في:

1- كرم الله بني آدم وفضلهم على عامة الخلق بالعقل والبيان والتقويم

2- كرامة الإنسان تستتبع توفر مميزات وحقوق له وتستتبع تكاليف والتزامات

3- كرامة الإنسان قابلة للزوال بإهمال الإنسان وتضييعه لالتزاماته

4-ُ تسلب حقوق الإنسان  بمقدار تضييعه

Comments

Popular posts from this blog

ما معنى أن الله خلق الأشياء بالمشيئة؟

شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات

ما هو التفويض الباطل؟