من معارف الدين المغيّبة

 


بقلم فراج الفضلي 

  
من مفاهيم الدين المهمة والمُغيّبة عن واقعنا

تركيز الدين على ضرورة تحفّظ المؤمن على عقله بحفظه عما من شأنه التأثير عليه بصورةٍ تستوجب ضلاله وانحرافه عن الحق، وبالتزام الطرق السوية في التفكير.

فعقل الإنسان لا يتِمُّ بتقليد السادة والكبراء ولا الآباء والأجداد، ولا يَكمُل حينما تعيش في أرضٍ تُستضعف فيها فيمنعك الظلمة العتاة من الوصول للحق، أو اتباعه إن توصلت إليه.

ومما يدعو للتأمل، ويسترعي الانتباه، أن الدين اعتبر ارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي من أسباب نقصان العقل!

فسماع الغناء، وارتكاب الغيبة، وترك اللباس الشرعي، وغيرها من الذنوب..لا يقتصر ضررها باستحقاق مرتكبها العقاب عليها إن لم يتب منها، بل يتعدى ذلك حتى تؤثر على عقل مرتكبها! وهذا الأمر من عجيب ما جاء به الدين..وإلى هذا المعنى تشير جملة من الروايات التي رواها الشيخ الكليني رحمه الله في كتاب العقل والجهل من كتاب الكافي.

منها ما رواه بسنده عن إسحاق بن عمار: قال أبو عبد الله عليه السلام: "من كان عاقلا كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة".

ومنها ما رواه عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: "قلت له: ما العقل؟ قال: ما عُبِدَ به الرحمن واكُتسِبَ به الجنان".

فالمستفاد من الروايتين أن استعمال آلة العقل بصورة لا توصل إلى الدين واكتساب الجنان، ليس بتعقلٍ حقيقيٍ! بل قد يكون شيطنةً!!

والمستفاد أيضًا من جملة من روايات ذلك الكتاب أن نمو العقل وكماله يحصل باتباع الدين، وبطبيعة الحال فإن ضعفه يحصل بعدم اتباعه.

لكن الأمر الذي نريد التوقف عنده والتفكير فيه ههنا حقيقةُ أثر الذنوب على العقل، أي شيءٍ هو؟ وكيف يحصل؟ أغيبي هو أم غير ذلك؟

فمن الواضح أن هذا الأثر ليس من جنس أثر المغالطات الفكرية التي نعرفها على العقل..

ولعل جانبا منه يتكشف بالبيان الآتي:

بعض الذنوب توجب حصول حالةٍ منافيةٍ لاتزان العقل وانضباطه في مرتكبها، فمثلًا بعض الغناء يسبب حصول حالة خِفة وطربٍ في مرتكبها، وبعضه يسبب حالة حزن وكآبة، هذه الحالات وما شاكلها من منافيات اتزان العقل وانضباطه، فتتأثر إدراكات وقرارات الشخص حال عروض تلك الحالات عليه فيتأثر عقله تبعًا لذلك.

- بعض الذنوب لها آثار وضعية جعلها الله سبحانه وتعالى، تحقق أمرًا منافيًا للعقل ف 
مرتكبها، كتأثير الغناء على الغيرة التي هي من مقتضيات العقل

ثم إنه وبعد ارتكاب الإنسان ذنبًا إثر ذنب، ومعصيةً تلو معصية، ولا يتوب ولا يرجع، ينطفىء نور عقله ولا يستطيع أن يعقل أو يدرك بصورةٍ صحيحة، ولعله إلى هذا المعنى تشير رواية النكتة السوداء في قلب العاصي

فقد روى الكليني بسنده إلى أبي بصير قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا".

أجارنا الله وإياكم من ذلك كله.

 


Comments

Popular posts from this blog

ما معنى أن الله خلق الأشياء بالمشيئة؟

شبهة لعن الإمام لزرارة في الروايات

ما هو التفويض الباطل؟